ما أن يطأ قدمك أرض هذه المدينة، حتى تختلط لديك مشاعر الرعب والدهشة، ما بين روعة التصميم، وصعوبة التنفيذ، وخطورة الموقع، فعندما تقضي يوماً في كهف صخري، فإن الأمر حتماً عبارة عن مغامرة مميزة، ولكن هذه ليست سوى مجرد الحياة الطبيعية اليومية في إحدى مدن إسبانيا.
مدينة شيد المسلمون الأوائل في الأندلس بيوتها تحت الصخور، يمتزج فيها جمال الطبيعة بالتصاميم المعمارية الحديثة، ما يجعلك تتساءل للحظات.. هل تسرب الجبل بين المنازل أم أن المنازل حفرت بين الصخور؟
تسمى هذه المدينة بمدينة "سيتينيل دي لاس بودوجاس" الإسبانية، يعيش فيها أقل من ثلاثة آلاف شخص، حيث يعتبرها البعض من أغرب المدن في العالم، بسبب منازلها التي تعانق الصخور.
اسم المدينة مشتق من الكلمة اللاتينية "Septem nihil"، وهي تترجم بالعربية إلى "7 جولات من الحصار دون أي نتيجة".
وتقع سيتينيل على بعد 157 كيلومتراً شمال شرق قادس في منطقة الأندلس جنوب إسبانيا، ويقابلها على الجانب الآخر من الكرة الأرضية مدينة أوكلاند في نيوزيلندا، ويبلغ عدد سكان المدينة ما يقرب من 3016 نسمة .
تتمتع المدينة بالكثير من المناظر الخلابة، متمثلة في التصميمات المعمارية التي شيدها السكان بين الممرات الجبلية وعلى شريط ممتد بامتداد ساحل نهر تريجو .
وتعد سيتينيل وجهة سياحية متميزة لأعداد كبيرة من السياح، الذين يتوجهون إليها بدافع الفضول لرؤية شكل الحياة التي يعيشها السكان تحت الصخور العملاقة .
وتزخر المدينة بعدد كبير من الفنادق التي تحتضنها الصخور، وتوجد في المدينة أطلال قلعة موريش التي يستمتع السائح كثيراً بزيارتها وتسلق برجها الأثري .
وشوارع المدينة ضيقة وفيها انحدارات شديدة، وشيدت عليها البيوت ذات الطوابق المتعددة، وتحيط بها الصخور من جوانبها ومن أعلاها، وضيق الشوارع يجعل منها كابوساً لقائدي السيارات، ولكنها للمشاة والمترجلين متعة كبيرة يجوبونها صيفا وشتاء للتمتع بجمالها وسحرها .
وبعض من هذه الشوارع تغطيها الصخور، ما يجعلها مأوى من حرارة الشمس في الصيف .
وتبدو المدينة وكأنها ملتصقة بالصخور من كل جانب، فيمكن مشاهدة الصخور داخل المنزل وخارجه وأعلاه وأسفله، كما لو كانت تعرضت إلى هجوم من أحد النيازك . وشيدت البيوت القديمة تحت الصخور العملاقة، أما الحديثة منها فبنيت على حواف الجبال .
وتتميز البلدة بطابع يختلف عن باقي قرى ومدن الأندلس، فقد شيدت البيوت أعلى الجراف وفوق سفوح الجبال، ما يجعلها تبدو وكأنها سلسلة من الكهوف .
ويتم سنوياً تجديد طلاء البيوت باللون الأبيض، الذي يعكس أشعة الشمس، وبالتالي يحافظ على درجة برودتها، حتي في أشد أيام السنة حرارة، كما يحافظ عليها دافئة في أيام الشتاء الباردة، ولهذا السبب فضل أهل البلدة بناء بيوتهم في أحضان الصخور، ليتمتعوا بهذه الميزة بدلاً من بناء البيوت الحديثة وتزويدها بوسائل التبريد أو التدفئة التقليدية المعروفة . والبعض من هذه البيوت له أسطح صخرية فوقها بساتين الزيتون .
واحتل الرومان المدينة، إلا أن المسلمين طردوهم منها في القرن السابع أو الثامن الميلادي، ثم قاموا ببناء قلعة فورتاليزا ديل كاستيللو . ويعتقد أن سيتينيل آخر ما تبقى من المدينة الرومانية التي تعرف باسم لاسيبو، واشتق اسمها من كلمة سيبتيم نيهيل الذي يعني بالاتينية سبع مرات من دون فائدة نسبة إلى الغزوات السبعة التي تعرضت لها المنطقة في الماضي، فقد حوصرت المدينة في عام ،1407 وتم اقتحام قلعتها بعد حصار سابع استمر مدة أسبوعين، ووجد الرومان مشقة كبيرة في الاستيلاء عليها، حيث لجأوا إلى استخدام أحدث الأسلحة الحربية المتاحة آنذاك .