في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، وطغت المادة على اليقين بالله عز وجل، تصور البعض أن المكاسب إنما في كثرة استحواذ المال، بينما لا يعلمون أن المكاسب الحقيقية في التقرب إلى الله عز وجل.
ولكن قد يرى البعض أن الالتزام بهذا الأمر صعب المنال، إلا أنهم لا يعلمون أن هناك عملا واحدًا قد يتضمن كل أفعال الخير من دأب الصالحين إلى التقرب إلى الله عز وجل إلى البعد عن الآثام وطريق السوء، فما هو هذا العمل؟.
عن أبي أمامة الباهلي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقُربة إلى ربكم، ومُكفرة للسيئات، ومَنهاة عن الإثم، ومَطردة للداء عن الجسد».
قولاً وعملاً
قيام الليل من الأمور المحببة إلى الله عز وجل، ذلك أنه يحمل القول والفعل في الخير، فبينما الناس نيام يناجي العابد ربه، لذلك فقد أعد الله لهؤلاء ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام»، وما ذلك إلا لأنها أفضل الصلاة بعد المفروضة، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».
فضلاً عن أنها عادة المؤمنين، فترى الزوجة حرص على استيقاظ زوجها لصلاة القيام، وهكذا الزوج، وفي ذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ الله رجلًا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت نضَح في وجهها الماء، ورَحِمَ الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، وأيقظت زوجها، فإن أبى نضَحت في وجهه الماء».
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةقوم سوء
الصالحون فيما مضى كانوا ينظرون إلى الذين يضيعون صلاة الليل على أنهم قوم سوء، فما بالنا نحن، ونحن لا نصليها بالمرة ، إلا ما رحم ربي؟!
يروى أن جارية الحسن بن صالح بن حُيَي، كانت تقوم الليل مع سيدها، فلما باعها، قامت عند قومها في جوف الليل، فقالت: يا أيتها الدار، الصلاةَ الصلاة! قالوا: أطلع الفجر؟ قالت: وليس تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم، ليس نصلي إلا المكتوبة، فرجعت إلى الحسن، وقالت: بعتني إلى قوم سوء لا يُصلون بالليل، بالله رُدَّني، فردَّها وفاءً لحقها.
وهذا سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه كان يقوم ثلث الليل، وتقوم امرأته ثلث الليل، إذا نام هذا قام هذا، فيُحيون الليل جميعًا، وفي ذلك يقول الإمام الحسن: «ما نعلم عملًا أشد من مكابدة الليل، ونفقة المال، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خَلَوْا بالرحمن، فألبَسهم نورًا من نوره».