هل تتصور أن أمية النبي صلى الله عليه وسلم، كانت معجزة بكل تفاصيلها، فقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم أمياً، وظل على ذلك إلى أن بعث إلى النبوة وهو أميّ، وهذا كمال في حق النبي صلى اللهعليه وسلم ، ومعجزة من معجزاته الشريفة، قال الله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)[الجمعة:2].
وقد وصف الله تعالى في كتابه الكريم رسوله صلى الله عليه وسلم، بأنه أميّ، و وصفه بأنه يتلو على الأميين آيات الله أي وحيه، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب، ويعلمهم الحكمة، وفي كل هذه الأوصاف تحد بمعجزة أمية الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مع كونه أمياً قد أتى أمته بجميع الفوائد التي أتى بها الرسل غير الأميين أممهم لا ينقص عنهم شيئاً، فتمحضت الأمية للكون معجزة حصل من صاحبها أفضل مما حصل من الرسل غير الأميين مثل موسى.
يقول العلماء إن إبقاء الله لنبيه على الأمية كان لحكمة عظيمة، قال الفخر الرازي عند قوله تعالى: (رسولاً منهم) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم نسبه من نسبهم، وهو من جنسهم، كما قال تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) [التوبة:128] قالوا : وكان هو صلى الله عليه وسلم أيضاً أمياً مثل الأمة التي بعث فيهم، وكانت البشارة به في الكتب قد تقدمت بأنه النبي الأمي، وكونه بهذه الصفة أبعد من توهم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة بالكتابة، فكانت حاله مشاكلة لحال الذين بعث فيهم، وذلك أقرب إلى صدقه.
سر الحكمة من أمية النبي
تشير الحكمة إلى كون النبي صلى الله عليه وسلم أمياً قوله تعالى: "وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ "(48))[العنكبوت:48] قال ابن عاشور: (هذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على أنه موحى إليه من الله أعظم دلالة، وقد ورد الاستدلال بها في مواضع كقوله: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان)[الشورى:52] وقوله: (فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون)[يونس:16]. ومعنى: (ما كنت تتلو من قبله من كتاب) إنك لم تكن تقرأ كتاباً حتى يقول أحد: هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه من قبل.
ومعنى (ولا تخطه) أي لا تكتب كتاباً، ولو كنت لا تتلوه، فالمقصود نفي حالتي التعلم، بل القرآن آيات ليست مما كان يتلى قبل نزوله، بل هو آيات في صدر النبي صلى الله عليه وسلم. فالمراد من (صدور الذين أوتوا العلم) صدر النبي صلى الله عليه وسلم عبر عنه بالجمع تعظيماً له، والعلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة ) التحرير والتنوير(10/12).
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبينهل ظل الرسول صلى الله عليه وسلم على أميته إلى أن توفي؟
نقل الإمام النووي عن القاضي عياض الخلاف في ذلك، وعزى إليه أن الباجي وغيره ذهبوا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كتب، كما في قصة صلح الحديبية من رواية البخاري وفيه: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، فكتب" وزاد عنه في طريق آخر" ولا يحسن أن يكتب فكتب" قالوا: وهذا لا يقدح في أميته. بينما ذهب الأكثرون إلى منع ذلك كله. وقالوا: قوله "كتب" أي: أمر بالكتابة.