لو تتبعنا كل مواقف النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، سنجد أنها ليست عظيمة فقط وإنما أيضًا إعجازية، إذ لا يقدر عليها ولا يمكن أن يتصف بها أحد من العالمين.
روى سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه، أنه خرج من بيته ذات يوم جوعًا باحثًا عن طعام، فصد المسجد وفي طريقه قابل جماعة من صحابة رسول الله رضي الله عنهم وأرضاهم، فقالوا له ما أخرجك يا أبي هريرة من بيتك في هذه الساعة، قال خرجت جوعاً، قالوا ونحن أيضاً ما أخرجنا إلا الجوع، فذهبوا جميعًا إلى المسجد ليجدوا رسول الله، فسألهم صلى الله عليه وسلم، ماذا أخرجكم قالوا أخرجنا الجوع، فأتى بطبق من التمر ومنح كل منهم تمرتين، وقال كلوا هاتين التمرتين وأشربوا الماء فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا، فقال أبي هريرة إنه اكل تمره وخبأ الأخرى في حجره، فرآه الرسول صلى الله عليه وسلم، وسأله لماذا رفعت التمرة، قال يا رسول الله رفعتها لأمي فقال له الرسول، كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين.
مواقف مبكية
أيضًا من المواقف العظيمة المبكية، أن صفوان بن أمية كان قد طلب مهلة شهرين حتى يسلم .. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، أربعة أشهر واستعار منه النبي عليه الصلاة والسلام عدة المحارب .. وقد أعطاه مائة من الأبل كما أعطى زعماء مكة أيضًا، ثم وجده صلى الله عليه وسلم ما زال واقفًاَ ينظر إلى أَحَد شِعاب حنين وقد شد انتباهه شِعبٌ وقد مُلئ إبلاً وشياه وقد بدت عليه علامات الانبهار بهذه الكميات الكبيرة من الأنعام، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: أبا وهب .. أيعجبك هذا الشِعب؟، فقال صفوان: نعم.. فقال: هو لك وما فيه.. قال صفوان: لي ؟.. قال: نعم.. يقول الصحابة: فأشرق وجه صفوان وقال: إن الملوك لا تطيب نفوسها بمثل هذا .. ما طابت نفس أحد قط بمثل هذا إلا نبي .. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، فأسلم صفوان رضي الله عنه وصدق إسلامه.
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبينتأثر الأنصار
وتروي القصة أنه عندما وجد الأنصار عطاء النبي صلى الله عليه وسلم، من خُمسِه (حصته) لسادة قريش مسلمها وكافرها عطاءً ليس له حدود وجدوا في أنفسهم (أي تأثروا) .. فقال بعضهم لبعض: لقد لقي النبي قومه (اي رجع لأهله وفرح فيهم) .. غفر الله لرسول الله .. يعطي قريشًاَ ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم بالأمس؟.. فلما بلغت هذه المقالة النبي صلى الله عليه وسلم، كان لها أثر في نفسه، وأرسل إلى سعد بن عبادة زعيم الخزرج وهو الباقي من سادة الأنصار، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: يا سعد ما مقالة بلغتني عن قومك؟.. قال له: أجل يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظيمة في قبائل العرب ولم يكن لهذا الحي من الأنصار منها شيء.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ (أي ما موقفك أنت)، فقال سعد: ما أنا إلا رجل من قومي.. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذن فاجمع لي قومك لا يخالطكم غيركم، فخرج سعد فجمع الأنصار (الأوس والخزرج) في شِعبٍ لم يدخل فيه إلا أنصاري.. وأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحده لا يصحبه إلا الصديق أبو بكر، فحياهم بتحية الإسلام .. ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر الأنصار
ألم تكونوا كفارًا فهداكم الله بي؟
ألم تكونوا عالة (أي فقراء) فأغناكم الله بي؟
ألم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟
ثم قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟
قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله .. ولله ولرسوله المنُّ والفضل؟
قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقتُم ولصُدِّقتُم
قولوا: ألم تأتِنا مكذباً فصدقناك؟
ألم تأتِنا مخذولاً فنصرناك؟
ألم تأتِنا طريداً فآويناك؟
ألم تأتِنا عائلاً فواسيناك؟
فارتفع صوت الأنصار بالبكاء وضج المكان وهم يقولون: المنة لله ورسوله يا رسول الله
فقال لهم: ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟
فقالوا: أَوَفاعل أنت يا رسول الله؟
(وكانوا قد غلبهم الظن أن النبي سيقيم في مكة فقد أصبحت دار إسلام وهي مسقط رأسه وهي بلد الله الحرام فظنوا أن النبي لن قال: أجل المحيا محياكم والممات مماتكم أنتم الشعار والناس دثار، أي (الملابس الداخلية التي تلاصق الجسم تسمى شعارًاَ لأنها تلامس شعر البدن أما القميص يسمى دثارًا).. ثم بسط يديه وهو يقول: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.. وبكى صلى الله عليه وسلم وقال: ألم أعهد إليكم يوم العقبة (الدم الدم والهدم الهدم) أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم
المحيا محياكم والممات مماتكم، فبكى الأنصار حتى اخضلّت لحاهم وهم يقولون: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم رضينا رضينا .. خذ ما بأيدينا من أموال وأعطها لأهل مكة.