عزيزي المسلم.. احذر أن يوكلك الله إلى نفسك.. فالأمر جلل، إذ يقول أحد الحكماء: «يا ويل لمن أوكله الله إلى نفسه.. لا مال، ولا علم، ولا جاه سينفعه، إلا من رحم الله»، وما ذلك إلا من علامات غضب الله تعالى على الإنسان -والعياذ بالله-، فإن الله تعالى إذا غضب على عبدٍ من عباده تركه لنفسه فهي كفيلة أن تهلكه.
لذلك كان من دعاء نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم أخرجنا من حولنا إلى حولك وقوتك، ومن انكسارنا إلى عزّتك ومن ضيق اختيارنا إلى براح إرادتك، اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا».
ويقول العلماء إن من أبغض الناس إلى الله شخص ألغى ضميره وترك التعاليم الإلهية، وسار خلف أهوائه ونزواته، فإن هؤلاء الأشخاص حرمهم الله تعالى من عنايته وهدايته، وبما أنهم يعتمدون على آرائهم وأفكارهم الباطلة، فقد وكلهم إلى أنفسهم.
كالأعمى بل هو أضل
الشخص الذي يتركه الله عز وجل لنفسه، يعيش دون هاد يوجهه، أو نور بصيرة يفتح له آفاق الكون، يسير في الدنيا كالأعمى بل هو أضل.
قال تعالى: «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» (الفرقان 44)، وهذا الشخص يعرف قوته في التجارة والعمل والكسب الدنيوي، ليصل إلى الثروة التي يبحث عنها، وبالتأكيد لن يتركه الشيطان ونفسَه أبدًا، بل يحركه بوساوسه فيدفعه إلى تأمين حاجاته وميوله عبر طرق غير مشروعة.
ولكن، هذا الإنسان عندما يدعى إلى تجارة الآخرة، يكسل ويقصر ويتقاعس عن العمل للوصول إلى الثروة الخالدة، وفي ذلك يقول المولى عز وجل يوضح الفرق بين طالب الدنيا، وطالب الآخرة: «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» (الجمعة 11).
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبرحرث الدنيا أم حرث الآخرة؟
الإنسان لاشك تأخذه أطماع الدنيا، لكن الله عنده الفضل الكبير، وللأسف هناك منا من ينسى هذا الفضل، ويسير خلف أهوائه فيضل، لذلك فقد استخدم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عبارتين قرآنيتين: ﴿ حَرْثَ الدُّنْيَا﴾ و﴿حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾ ليلفت انتباهنا إلى حقيقة وهي أن الدنيا عبارة عن مزرعة أو محل تجارة، فإذا اعتبرنا الدنيا أصيلة وصرفنا قِوانا للوصول إليها وبذلنا كل جهودنا لتحصيلها، فلن نحصل سوى على متاع قليل لا أهمية له.
ولكن إذا استفدنا من هذه الفرصة للحصول على رضا الله تعالى، فسنصل إلى ثروة لا نهاية لها، أي الآخرة ورضوان الله، وفي ذلك يقول الله تعالى: « مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ» (الشورى: 20).