حض الله عز وجل على بذل المعروف، قال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة:263]، وقال: {فَأَوْلَى لَهُمْ . طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد:20-21].
وأمر ربنا سبحانه وتعالى بان يكون المعروف هو أساس أي معاملة، سواء بين الزوجين، أو بين الجيران، أو بين الناس في الطرقات، ، وقال : {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:231]، وقال: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]، وقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، وقال: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:6].
وأمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم، أن يأمر بالمعروف كما في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} الآية [الأعراف:199]، وجعل أمره عليه السلام بالمعروف من العلامات التي يعرفه بها أهل الكتاب، قال عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} الآية [الأعراف:157].
وسبقت امة الإسلام غيرها من الأامم، بالمعروف، وقوله وبذله، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].
والمعروف بين الناس بابه واسع جداً، فالكلمة الطيبة، والتبسم في وجه أخيك، وحفظ الود، ومقابلة الخير بالخير، وإغاثة الملهوف، وإعانة ذا الحاجة، وقِرى الضيف، وحمل المنقطع، وما أشبه ذلك، كل هذا من المعروف، وهو لصاحبه صدقة.
و قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» .
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةصور من معروف النبي
وليس أبلغ ولا أدل على المعروف من أخلاق النبي مع أصحابه، وأهله، فانظر حينما خلع النبي صلى الله عليه وسلم، قميصه وكفن به فاطمة بنت أسد زوجة عمه أبو طالب وأم علي بن أبي طالب.
نزل النبي عليه الصلاة والسلام بقبرها يحفر ويوسع التراب بيده، وخرج وعينه تفيض من الدمع عليها..ودعا لها بأن تُبعث وهي كاسية فهي مُكفنة بقميص نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولمَّا سوَّى عليها التراب قال بعضهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئًا لم تصنعه بأحدٍ، فقال: «إِنِّي أَلْبَسْتُها قَمِيصِي لِتَلْبَس مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، ونزلت مَعَهَا فِي قَبْرِهَا لَيُخَفَّف عَنْهَا مِن ( ضَغْطَة الْقَبْرِ )، إنها كانت أحسن خلق الله صنيعا بي بعد أبي طالب).
وفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيَّة الهاشميَّة، هي زوجة أبو طالب عم النبي وأم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان النبي يعيش في كنف جده عبد المطلب حتى الثامنة من عمره وتحديدًا عندما توفي جده انتقل لبيت عمه أبي طالب .. فاحتضن هذا البيت النبي واحتضنته امرأة عظيمة وهي فاطمة بنت أسد واعتبرته أحد أبنائها بل وأكثر.
وفي بعض الروايات أنها كانت تُحب النبي أكثر من أبنائها، فعندما توفي عبد المطلب جاء أبو طالب لفاطمة وقال لها:اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي، وإيّاكِ أن يتعرّض علَيه أحدٌ فيما يريد، فتبسّمت من قوله وقالت له: توصيني في وَلدي محمّد، وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي؟! ففرح أبو طالب بذلك.
و اعتَنَت فاطمةُ بالنبي وأولَتْه رعايتها وحبّها، وكانت تُؤثِره على أولادها في المطعم والملبس لأنها كانت تقدر أنه يتيم فكانت تعطيه أشياء واهتمام حتى أكثر من أبنائها وكانت أيضًا تغسّله بالماء وتدهن شَعره وتُرجّله وتطيبه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ (أمّي) لأنه لم يلاقي اهتماما كهذا إلا من أمه فاطمة بنت أسد .
ومن شدة حبها للنبي عليه الصلاة والسلام فعندما تزوج السيدة خديجة دفعت إليه فاطمة ، بفلذة كبدها ابنها عليّ بن أبي طالب ليكون في ولايته صلي الله عليه وسلم بعد زواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، فكيف ردَ لها النبي عليه الصلاة والسلام جزء من أفضالها؟ أن النبي عليه الصلاة والسلام سمى ابنته فاطمة على أسم هذه المرأة العظيمة التي كان يناديها بأمي ، ولما اهدي رجل للنبي ثوبا من الحرير فقال عليه الصلاة والسلام (اجعلها خُمرًا بين الفواطم الاربعة، فشقها أربعة أخمره، خمارًا لفاطمة الزهراء ابنته، وخمارا لفاطمة بنت أسد زوجة عمه أبي طالب مربيته، والثالث لفاطمة بنت حمزة بن عبدالمطلب، والرابع لفاطمة بنت شيبة بن عبد شمس زوج عقيل بن أبي طالب.
وسمعت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُبعث الناس يوم القيامة عراة.. فقالت من فرط حيائها: وا سوأتاه !! فقال لها صلى الله عليه وسلم: إني أسأل الله أن تُبعثين كاسية.
وقال أنس بن مالك: لمـَّا ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله فجلس عند رأسها فقال: (رحمك الله يا أمي كُنتِ أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسكِ طيبًا وتطعميني وتريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة).