يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم بسورة الفاتحة: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»، واهدنا هنا (فعل أمر)، وفعل الأمر عندما يكون من الصغير إلى الكبير فهو يفيد الدعاء أو التوسل، والهداية من معانيها التوفيق، أي أن يخلق الله تعالى القدرة عند العبد على أداء الطاعات، واهدنا دعاء ورغبة من العبد إلى الرب، والمعنى، (يارب العالمين دلنا على الصراط المستقيم وأرشدنا إليه، وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنسك وقربك).
وفي ذلك يقول بعض العلماء، إن الله عز وجل جعل عظيم الدعاء وجملته موضوعًا فى هذه السورة، نصفها فيه مجمع الثناء، ونصفها فيه مجمع الحاجات، وجعل هذا الدعاء الذى فى هذه السورة أفضل من الذى يدعو به الداعي لأن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين، فأنت تدعو بدعاء هو كلامه الذي تكلم به، وفي الحديث النبوي الشريف، يقول صلى الله عليه وسلم: «ليس شىء أكرم على الله من الدعاء».
استعمالي إلهي
فتخيل أنت تدعو وتسأل الله أن يستعملك فيما يرضيه، وبما كتبه عليك، بما قاله هو لك، كأنه يوجهنا ماذا نفعل ونقول، وكيف نفعل للوصول إليه سبحانه وتعالى، فهل هناك حنان أحن من ذلك، أو عطف وحب أكثر من ذلك، بالتأكيد لا، ويفسر العلماء هذه الاية بقولهم: اللهم أرشدنا باستعمال السنن فى أداء فرائضك، وقيل، إن الأصل فيه الإمالة، ومنه قوله تعالى: «إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ» (الأعراف: 156)، أي ملنا إليك يا ربنا.
ويقول الفضيل بن عياض: «الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» هو طريق الحج، وهذا خاص والعموم أولى، بينما قال محمد بن الحنفية فى قوله عز وجل: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»، هو دين الله الذى لا يقبل من العبادة غيره، أما عاصم الأحول عن أبى العالية، فقال: «الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحباه من بعده، قال عاصم فقلت للحسن: إن أبا العالية يقول: «الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه، قال: صدق ونصح.
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةأجمع الأدعية
وفي روايات أخرى أن «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» أي دُلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط، واهدنا في الصراط، فالهداية إلى الصراط، لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان.
والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملاً، فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك.. أما المستقيم فهو الذي ليس فيه عوج، إذ يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: « وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ » (الشورى: 52، 53)، فالرسول صلى الله عليه وسلم، بعثه الله ليهدي إلى صراط مستقيم، وهكذا الرسل جميعًا، كلهم بعثوا ليهدوا إلى الصراط المستقيم، أي يدعون الناس إلى توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده، لأن هذا هو "صراط الله المستقيم".