ورد اختلاف كثير وقديم أيضا في حكم الاحتفال بليلة النصف من شهر شعبان م بين مؤيد ومعارض ومقيد الاحتفال والإحياء بأمور دون أخرى وقد ورد الترغيب النبوي الكريم بإحياء ليلة النصف من شعبان في جملة من الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومنها قوله: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ, أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ, أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ, أَلا كَذَا أَلا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» أخرجه ابن ماجه، وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف إلا أنه قد وردت أحاديث وروايات كثيرة تدل على أن لذلك أصلا، وقد ساقها العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (3/442، ط. دار الفكر) ثم قال: "فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء".
مشروعية إحياء ليلة النصف من شعبان:
ومشروعية إحياء ليلة النصف من شعبان ثابتة عن كثير من السلف، وهو قول جمهور الفقهاء، وعليه العمل في بلدان المسلمين:
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في "الأم" (1/264، ط. دار الفكر): "وبلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان". اهـ.
وقال الفاكهي [ت 272هـ] في كتابه "أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه" (3/84، ط. دار خضر): "ذكرُ عملِ أهل مكة ليلةَ النصف من شعبان واجتهادهم فيها لفضلها: وأهلُ مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف من شعبان خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد، فصلَّوْا، وطافُوا، وأحيَوْا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام حتى يختموا القرآن كله ويصلُّوا". اهـ.
وقال العلامة زين الدين بن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/56، ط. دار المعرفة): "ومن المندوبات إحياء ليالي العشر من رمضان وليلتي العيدين وليالي عشر ذي الحجة وليلة النصف من شعبان كما وردت به الأحاديث.. والمراد بإحياء الليل قيامه".
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي –كما في الفتاوى الكبرى (5/344، ط. دار الكتب العلمية)-: "وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يُصلِّي فيها"اهـ.
كيفية إحياء ليلةالنصف من شعبان:
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف" (ص: 263، ط. دار ابن كثير): "واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد، كان خالد بن مَعْدَانَ ولُقْمانُ بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في "مسائله".
والثاني: أنه يُكرَه الاجتماعُ فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يُكرَه أن يُصلِّيَ الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي".
فتحصل من ذلك مشروعية إحياء هذه الليلة، وأن الصلاة فيها جماعة محل خلاف بين العلماء، والراجح الجواز؛ لأن الأمر بالإحياء أمر مطلق يشمل كل أنواع العبادة المشروعة، فإذا قام به المسلمون فرادى أو جماعات فهو حسن، ولكل منهم سلف فيما يفعله، وكلهم داخل بذلك في فضل إحياء هذه الليلة.
وبناءً على ذلك فما تقومون به من الصلاة هو باب من أبواب إحياء ليلة النصف من شعبان، ولكم الأجر الجزيل إن شاء الله تعالى، وليس في ذلك بدعة، إنما البدعة أن يتعامل العامة مع مسائل الخلاف من غير استحضار لأدب الخلاف عند السلف الصالح؛ فلا إنكار في مسائل الخلاف، ولا يُعتَرض بمذهب على مذهب، والصواب في ذلك ترك الناس على سجاياهم؛ لأن أمر الذكر والإحياء مبناه على السعة، وقد تنوع فعلُ السلف في ذلك؛ فلْيَسَعْنا ما وَسِعَهم. (من فتاوى الشيخ علي جمعة)