ارتبط الإسلام بالعفاف ارتباطًا شديدًا، حتى أنه جعل العفاف من علامات الإيمان التي لا يكتمل إيمان المرء أو المرأة إلا به.
وأمر القرآن بغض البصر عن العورات والمحرمات، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه جل وعز إيمانا يجد حلاوته في قلبه) (الحاكم في المستدرك).
وقال بعض الظرفاء:
إلهي ليس للعشاق ذنب * لأنك أنت تبلوا العاشقين
فتخلق كل ذي وجه جميل * به تسبي قلوب الناظرين
وتأمرنا بغض الطرف عنهم كأنك ما خلقت لنا عيونا
فكيف نغض يا مولانا طرفا * إذا كان الجمال نراه دينا
وقال آخر:
خلقت الجمال لنا فتنة * وقلت لنا: يا عباد اتقون
وأنت جميل تحب الجمال * فكيف عبادك لا يعشقون
فرد عليهم الشيخ التقي الأمين السوداني فقال:
خلقت الجمال لنا نعمة * وقلت لنا يا عبادِ اتقون
وإن الجمال تُقىً والتُّقى * جمال ولكن لمن يفقهون
فذوق الجمال يصفي النفوس * ويحبو العيونَ سمو العيون
وإن التقى هاهنا في القلوب * وما زال أهل التقى يعشقون
ومن خامر الطهر أخلاقه * تأبّى الصغار وعاف المجون
وربي جميل يحب الجمال * جمال التقى يا جميل العيون
وأمر الشرع بحفظ الفرج كما تقدم، ومن هنا جاء مفهوم العورات التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بسترها كما جاء في حديث بهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر، قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قال: قلت: يا رسول الله فإذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: إن استطعت أن لا يرى أحد عورتك فافعل، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا، فقال: فالله أحق أن يستحيا من الناس. (النسائي في سننه الكبرى)..
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبرمعنى العفاف
ويقول الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق إن العفاف أمر بعدم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية إلا بطريقة آمنة والمقصود بالخلوة هنا المكان الخاص وليس المكان العام، ومعيار الخصوصية والعمومية هو وجوب الاستئذان من أجل النظر من عدمه، فالمكان الذي يجب علينا أن نستأذن للنظر إلى داخله ولا يجوز أن ندخله إلا بعد الاستئذان فهو مكان خاص، والمكان الذي لا يحتاج إلى استئذان كالطريق ووسائل النقل العامة والمساجد والمحلات العامة فهو مكان عام، ولا يسمى انفراد الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل فيه خلوة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ » (الترمذي).
والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعفاف في الكلام فنبه معاذاً فقال «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» (الترمذي في سننه). وربنا يقول في سورة النساء: (لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ) ، ولكنه بعدها حث على العفو فقال: (إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًا قَدِيرًا).
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم من باب العفاف عن التسول والرشوة والسرقة كما نهى من باب العفاف عن السب واللعن والفحش والبذاءة، فقال: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ » (البخاري)، وقال: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» (أورده أبو داوود في سننه)، وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها (مسند الإمام أحمد)، وقال: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ وَلاَ بِلَعَّانٍ وَلاَ بِالْفَاحِشِ الْبَذِيءِ» (مسند الإمام أحمد).
وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم البعد عن الشبه، فعَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ فَلَمَّا رَجَعَتِ انْطَلَقَ مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَعَاهُمَا فَقَالَ «إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ» . قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ . قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» (البخاري)، كما أنه علمنا وأمرنا بالبعد عن مواطن الفتن فقال «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ » (البخاري).