تعرض القرآن الكريم لوصف الحياة الدنيا التي نبكي عليها ونتصارع من أجلها، في مناسبات عدة، كما بين القرآن الكريم معجزة الله عز وجل في خلق السموات والأرض، قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16].
وقال تعالى أيضا:﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [النمل: 60].
وقال:﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ق: 6 - 7].
اقرأ أيضا:
الكسل داء يبدد الأعمار والطاقات.. انظر كيف عالجه الإسلام وقد بين الله تعالى أن هناك فرق بين أن نتصارع على الدنيا الفانية، وأن نستفيد من جمالها ونعمها التي أنعم الله بها علينا، فعن مالك بن عوف قال: أتيتُ رسولَ اللَّه وأنا قَشِفُ الهيئة، قال: ((هلْ لك من مالٍ؟))، قلتُ: نعم، قال: ((إذا آتاك الله مالاً، فليُرَ أثرُ نعمة الله عليك وكرامته)).
فكما يطلب الله من عبده أنْ يطهِّر باطنه بالإيمان بالله والارتباط به، طَلَبَ منه أن يكون في مظهره كاملاً أنيقًا؛ وأن ترى الناس أثر نعمة الله عليه، فعن أبي يَعْفُورٍ قال: سمعتُ ابن عمر يقول - وقد سأله رجلٌ عمَّا يَلْبَس من الثياب - قال: "ما لا يزدريك فيه السفهاء، وما لا يعيبُك فيه الحكماء" رواه الطبراني.
ومع ذلك لا يدخل هذا الاستمتاع بنعم الله تعالى في الدنيا بالجانب الأخر منها بالصرااع عليها، فإن المراد بالدنيا التي يتصارع عليها البشر ورأْس كل خطيئة هي حبُّ الشرف والرئاسة، والمناصب، دون كفاية أو إرادة نُصرة الحقِّ، يقول الله - تعالى -: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].
وعن كعب بن مالك أنَّ رسول الله قال: ((ما ذئبان جائعان أُرِسلا في غنمٍ بأفسدَ لها مِن حِرْص المرء على المال والشرف لدينه))؛ رواه الترمذي.
فإنْ أرادَ العبد بالمال والشرف نُصرة الحقِّ أو الوجاهة فهو حسن ومحمود، فقد قال يوسف للملك: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55].
وطلب أحدُ المسلمين من الرسول أن يكونَ إمامَ قومِه؛ قال الرسول: ((أنت إمامُ قومِك)).
ولكن ينبغي الحذر حتى لا تصرفك الدنيا من الطهارة والحق، وينحرف بها عن معاني الخير إلى رذائل الأخلاق؛ قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11].
وطلبُ الدنيا على هذا النحو لا يتنافى مع الزهد؛ لأنَّ الزهْدَ ليس في تحريم زينة الله التي أخرجَ لعباده، ولا في ترْك الطيِّبات من الرزق.
وإنما الزهد الذي أراده الإسلام هو الزهد في الحرام، والزهد في الشبهات، والزهد في الشهوات، التي تصرفُ الإنسانَ عن واجباته الشخصيَّة والاجتماعيَّة، وقد وَضَعَ الإسلام تحديدًا للزهد فيما رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث أبي ذر أنَّ النبي قال: ((الزهادة في الدنيا ليستْ بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا ألاَّ تكونَ بما في يديك أوثق ممَّا في يدي الله، وأن تكونَ في ثواب المصيبة إذا أنت أُصبتَ بها أرغبَ منك فيها لو أنها أُبقيَتْ لك)).
والزهد بهذا المعنى يريحُ القلبَ والبَدَن، ويُكْسِب محبَّةَ الله، ويَجْلب مودة الناس؛ عن سهل بن سعد قال: "جاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول الله، دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه أحبَّني الله، وأحبَّني الناس، قال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ازهد في الدنيا يحبَّك الله، وازهد فيما عند الناس يحبَّك الناس))؛ رواه ابن ماجه.