وقفتان يوم القيامة لا يشعر بجلالهما إلا أصحاب الخجل الحقيقي، فهل تتصور يوم القيامة أونت واقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ورسوله، وتعرض عليك أعمالك، وقد امتلأت صحيفتك بخيانة هذا وسفك دم هذا والنميمية على هذا والنظر في عورة هذه أو تلك، هل تتصور كيف يكن حالك وقتها، وأنت ملوث بذنوبك، وقد بعث الله لك رسوله ليبلغك، وينذرك، ويعدك بالجنة، ويحذرك من النار، ومع ذلك لم تكترث.
فهل تتذكر السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وهل تتذكر المؤمنون الذين يقفون على حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وبين يديه ليسقيهم بيده الشريفة شربة ماء أحلى من العسل وأطيب من اللبن، شربة هنيئة لا يظمأون بعدها أبدا.
وهل تتحمل عتاب النبي صلى الله عليه وسلم لك على ما فرطت في جنب الله، وهل تتحمل أن تكون من الذين قال الله فيهم: " أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)الشورى.
هل تتذكر كم آية من القرآن سمعتها فأنصتت، وكم قرأتها فبكيت، وكم مرة خشعت وبكيت وأنت تسمع قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
فكلنا عائدون إلى الله، ولا بد من يوم نقف فيه أمام الله للحساب، ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ﴾ [الصافات:24] فهل تتحمل صعوبة هذه الوقفة وأنت تحمل معها ذنوبك، فكم مرة تطاولت على أبيك، وظلمت زوجتك، واعتديت على جارك وأكلت حقوق الناس، وأكلت أموال اليتامى ظلما، وعشت بالحرام، هل تذكر أن هناك يوما سترجع فيه إلى الله.
فأين الخوف من الله تعالى، هل اقتديت بأناس كانوا يخافون من الله، كانوا يتذكرون وقوفهم أمام الله عز وجل أليس الخوف والتفكر ذلك اليوم هو الذي جعل أبا بكر (رضي الله عنه) الذي قدم نفسه وماله وعائلته كلها فداء لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو من أفضل الصحابة وأحبهم إلى قلب النبي (صلى الله عليه وسلم) ومع ذلك يقول: (لو كانت إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها لما أمنت مكر الله!).
والخوف هو من جعل سيدنا عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه): (لو نودي ليدخل الجنة كل الناس إلا رجلا واحدا لخشيت أن أكون أنا ذلك الرجل).
وعمر بن الخطاب الذي فتح المشارق والمغارب، عمر الذي نشر العدالة بين الناس، عمر الذي قال كلمته المأثورة: (والله لو عثرت بغلة في أرض الفرات لخفت أن يسألني الله عنها يوم القيامة لمَ لم أسوِ لها الطريق) ومع كان يخاف من يوم القيامة.
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبرفي يوم جاء يهودي، إلى الخليفة هارون الرشيد.. قال له يا هارون: اتق الله فإذا بهارون لا يحس بنفسه إلا وقد سقط على الأرض، أصحابه قالوا له يا هارون ما بك سقطت على الأرض إنه رجل يهودي؟ فقال هارون: لقد قال اليهودي لي: اتق الله فتذكرت قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206] فخشيت إن لم أسجد لقول اليهودي أن يجعلني الله من أبناء جهنم ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ .
فكلمة اتق الله كلمة عظيمة، ومعناها أن الله تعالى مطلع على الصغيرة والكبير وسيحاسبك عليها فكيف ستنجو من ذلك اليوم والله يقول في سورة الكهف: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾.
فلينتبه المسلم وليكن مستعدا لذلك اليوم العظيم، لذلك اليوم الذي لا ندري أنكون من أهل الجنة فنكون من الفائزين أم نكون من أهل النار فنكون من الخاسرين.
فعَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) رواه ابن ماجه.
وتذكروا قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾.
فاللهم بيض وجوهنا أمام الله سبحانه وتعالى واجعلنا عند حسن النبي صلى الله عليه وسلم فينا، ولا تخزنا يوم العرض عليك.
اقرأ أيضا:
فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة..لا تتنافس على الشر واكتشف سترك الحقيقي