أجابت دراستان جديدتان على السؤال حول كيفية وصول الإنسان إلى سن المائة، إذ تُظهر نتائجهما عن مفاجأة مذهلة، وهي أن من يصلون إلى هذه السن المئة لا يعانون فقط من أمراض أقل عمومًا طوال حياتهم، بل يصابون بها أيضًا بشكل أبطأ.
وأظهرت دراسة أجرتها كارين موديج، الأستاذة المساعدة في علم الأوبئة بمعهد كارولينسكا في السويد، وفريقها، أن المعمرين يتمتعون بقدرة خارقة على تجنب الأمراض.
كما أنهم أقل عرضة للإصابة بأمراض مميتة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية الخطيرة ، مقارنةً بأقرانهم الأقصر عمرًا.
وكتبت البروفيسورة موديج في مقال نشرته مجلة "ذا كونفرزيشن": "إن فهم الإجابة على هذه الأسئلة من شأنه أن يقربنا خطوة واحدة على الأقل من معرفة العوامل المحددة التي تساهم في طول العمر. لذا، شرعتُ أنا وزملائي في البحث عن إجابات. في دراستين حديثتين، قمنا بتحليل ومقارنة أشخاص عاشوا حياة طويلة وقصيرة، وُلدوا في العام نفسه".
وأضافت: "أظهرت نتائج الدراستين أن المعمرين لا يعانون من أمراض أقل بشكل عام طوال حياتهم فحسب، بل يصابون بها أيضًا بشكل أبطأ. وهم أيضًا أقل عرضة للإصابة بأمراض مميتة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية الخطيرة، مقارنة بأقرانهم الذين يعيشون لفترة أقصر".
معدلات أقل من الأمراض
شملت الدراسة الأولى 170 ألفًا و787 شخصًا وُلدوا في مقاطعة ستوكهولم، السويد، بين عامي 1912 و1922. وباستخدام بيانات صحية تاريخية، تمت متابعة السكان لمدة 40 عامًا - إما من سن الستين حتى وفاتهم، أو حتى سن المائة.
وقام فريق البحث بحساب مخاطر إصابة كل مشارك بالسكتة الدماغية، والأزمات القلبية، وكسر الورك، وأنواع مختلفة من السرطان، وقارن أولئك الذين نجوا إلى سن 100 مع نظرائهم الذين عاشوا لفترة أقصر.
وأضافت، وفقًا لصحيفة "إكسبريس": "لقد وجدنا أن المعمرين لم يكن لديهم معدلات أقل من الأمراض في أواخر منتصف العمر فحسب، بل استمروا في الحصول على معدلات أقل من الأمراض طوال حياتهم بشكل عام".
على سبيل المثال، في سن الخامسة والثمانين، لم يُصَب سوى 4 بالمائة ممن بلغوا المائة عام بسكتة دماغية. وبالمقارنة، فإن حوالي 10 بالمائة ممن كادوا أن يصبحوا معمرين - تتراوح أعمارهم بين 90 و99 عامًا - أصيبوا بسكتة دماغية في سن الخامسة والثمانين.
وتابعت: "وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أنهم يعيشون فترة أطول، فإن خطر إصابتهم بأغلب الأمراض طيلة حياتهم لم يصل أبدا إلى مستوى أقرانهم الذين يعيشون لفترة أقصر".
في سن المائة، عانى 12.5 بالمائة من المعمرين من أزمة قلبية، مقارنةً بأكثر من 24 بالمائة بقليل بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 80 و89 عامًا. وهذا يشير إلى أن المعمرين يؤخرون - وفي كثير من الحالات يتجنبون - الأمراض الخطيرة المرتبطة بالعمر، بدلاً من مجرد النجاة منها بفعالية أكبر.
لكن من عيوب هذه الدراسة أنها ركزت فقط على تحليل التشخيصات الأكثر خطورة للأمراض الرئيسة.
تجنب الإصابة بأمراض خطيرة
ولكن ماذا لو لم يكن مفتاح طول العمر الحقيقي هو تجنب المعمرين للأمراض تمامًا، بل قدرتهم على تجنب الإصابة بأمراض خطيرة؟
هذا ما أجابت عليه دراسة ثانية شملت 40 حالة طبية مختلفة. تراوحت بين الخفيفة والشديدة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وقصور القلب، والسكري، والأزمات القلبية.
وأجريت الدراسة على 274 ألفًا و108 مشاركًا وُلدوا بين عامي 1920 و1922، وعاشوا في السويد.
وجرى متابعة المشاركين لمدة 30 عامًا تقريبًا، إما من سن السبعين حتى وفاتهم أو حتى بلوغهم المائة. بلغ إجمالي عدد المعمرين 4 آلاف و330 شخصًا، أي ما يعادل 1.5 بالمائة فقط من المشاركين الذين أجريت الدراسة عليهم.
وقالت البروفيسورة موديج: "حتى بعد تضمين مجموعة أوسع من الأمراض والسماح للمشاركين بالإصابة بأكثر من حالة صحية واحدة في التحليل، توصل فريقنا إلى نفس الاستنتاجات التي توصلنا إليها في الدراسة الأولى: أصيب المعمرون بعدد أقل من الأمراض - وكان معدل تراكم الأمراض لديهم أبطأ على مدار حياتهم.
ووجد الباحثون أيضًا أن المعمرين أكثر عرضة للإصابة بأمراض تقتصر على جهاز عضوي واحد. وهذا دليل على صحة هذه المجموعة وقدرتها على الصمود، إذ إن الأمراض التي تصيب جهازًا عضويًا واحدًا أسهل بكثير في العلاج والإدارة على المدى الطويل.
وذكرت أنه "على سبيل المثال، في حين كانت أمراض القلب والأوعية الدموية هي التشخيصات الأكثر شيوعًا في جميع الفئات العمرية، كان المعمرون أقل عرضة بشكل عام للتشخيص مقارنة بزملائهم قصيري العمر".
في سن الثمانين، شُخِّص حوالي 8 بالمائة من المعمرين بأمراض القلب والأوعية الدموية. وبالمقارنة، شُخِّص أكثر من 15 بالمائة من المتوفين في سن الخامسة والثمانين بأمراض القلب والأوعية الدموية قبل بلوغهم سن الثمانين. ويبدو أن انخفاض معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية عامل أساسي في إطالة عمر المعمرين.
"وأظهر المعمرون أيضًا قدرة أكبر على الصمود في مواجهة الحالات العصبية والنفسية - مثل الاكتئاب والخرف - طوال حياتهم.
على الرغم من أن معظم المعمرين قد أصيبوا في نهاية المطاف بمشاكل صحية متعددة، إلا أن ذلك حدث في وقت متأخر من حياتهم مقارنةً بغير المعمرين - عادةً في حوالي سن 89 عامًا. ويعود ذلك إلى قلة إصابتهم بالأمراض وتباطؤ معدل تراكمها.
الجدير بالذكر أن غير المعمرين عادةً ما يعانون من زيادة حادة في عدد المشاكل الصحية التي يعانون منها في السنوات الأخيرة من حياتهم. لكن المعمرين لم يواجهوا نفس التدهور الحاد في صحتهم - حتى من سن التسعين فصاعدًا.
فما هو سر الحياة الطويلة؟
إن اكتشاف أن المعمرين يتمكنون من تأخير الإصابة بالأمراض، وفي بعض الحالات تجنبها، رغم عيشهم حياة أطول، أمرٌ مثيرٌ للاهتمام ومشجع. فهو يُظهر إمكانية التقدم في السن بشكل أبطأ من المعتاد، ويتحدى الاعتقاد السائد بأن طول العمر يصاحبه حتمًا المزيد من الأمراض.
وقالت البروفيسورة موديج: "تشير نتائجنا إلى أن طول العمر الاستثنائي لا يتعلق فقط بتأجيل المرض، بل يعكس نمطًا مميزًا من الشيخوخة. ولكن ما إذا كان هذا يرجع بشكل رئيس إلى العوامل الوراثية، أو نمط الحياة، أو البيئة، أو مزيج من هذه العوامل يظل غير معروف".
وأضافت: "الخطوة التالية في بحثنا ستكون استكشاف العوامل التي تتنبأ بالعيش حتى سن 100 عام - وكيف تعمل مثل هذه العوامل خلال حياة الشخص. إن فهم الآليات وراء الشيخوخة الصحية لدى المعمرين قد يوفر رؤى قيمة لتعزيز حياة أطول وأكثر صحة للجميع".