خلق الله الإنسان وميزه عن غيره من المخلوقات بأن جعل له أسباب السعادة ووفر له سبل الراحة، ومن هذه اشياء المال الذي يستعين به على طاعة الله ودفع حركة الحياة.
فالسعي إذا لتحصيل المال ليس مذموما على إطلاقه بل إنه متعبد بالسعي لكسب الرزق حتى لا يكون ضعيفا محتاجا لغيره منكسرا وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم.
الفقراء والأغنياء .. أيهما أفضل؟
وإن كانت من تفاضل بين الغنى والفرق فالأغنياء ذهبوا باجر وفير إن هم أحسنوا استثمار هذا المال في طاعة الله عز وجل وأخرجوا حق الفقراء والضعفاء فيه؛ فإنفاق المال في سبيل الله من أعظم القربات، لحديث: (ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم) متفق عليه، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، به تؤدى فريضة الزكاة، وبه يتمكن المسلم من تحصيل الأجر العظيم، عن طريق مساعدة الناس والتخفيف عنهم.
المال قد يكون وبالا عليك:
أما إن صار المال والسعي وراءه غاية ينشدها صاحبه ويسعى للتزود بلا هدف يرجوه ولا يؤدي حق الله فيه فإن بهذا يصير وبالا على صاحبه فقد روى الإمام الترمذي وغيره عن الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حَرَصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ)، وهذا الحديث الشريف من الأحاديث العظيمة التي ينبغي على كل مسلم أن يعرض نفسه عليها، وهو من الأمثال التي ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا، يبين فيها خطورة الحرص على المال والجاه على إيمان المؤمن.
كيف تنجو بنفسك من غضب الله؟
وتظهر خطورة تحصيل المال دون أداء حقه في أن يعرض المرء نفسه لغضب الله عليه وغضب المؤمنين وغضب أصحاب الحقوق عليه وبالتالي يكون وبالا على المجتمع حريصا شحيحا مذموما من الجميع قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7]، ومن هنا فإن حرص المرء على المال والجاه يوصله إلى فساد دينه.
حال السلف الصالح مع المال:
وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يتركون بينهم وبين الأمور المشتبهات مساحةً واسعة، امتثالاً وانطلاقاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحلالُ بيّن والحرام بيّن، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثيرٌ من الناس، فمن اتقى المشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه) متفق عليه.
ويزداد الأمر خطورة حين يسعى المرء غير مكترث بسبل تحصيل المال فهو يحصله من حله ومن حرامه، ثم إن حصله يمنع أصحاب الحقوق منه وحين يمنع الحقوق الواجبة المترتبة عليه فيه، لكن إن استطاع أن يعطي حقوق لغير ويتقي الشح فبهذا يكون محبوبا من الجميع وممن وصفهم الله بالفلاح، قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وبهذا فعلى المؤمن تحري سبل تحصيل المال وأن يحرص في الوقت نفسه على إخراج حقه حتى يجيب على السؤال الذي سيوجه إليه في هذا الشأن كما في الحديث: "لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ".