فترة من الفترات كنت أقوم بمعصية معينة، فطفح كيلي، وقمت بالحلف أني سوف أصوم عشرة أيام إن قمت بهذه المعصية، ثم قمت بها، فصمت ثلاثة أيام كفارة بدلا من صوم عشرة أيام التي حلفت أن أصومها، وتكرر هذا الشيء عدة مرات، فقد قمت بالحلف على أرقام مثل: سوف أصوم شهرا، سوف أصوم أسبوعا، ومثل هذه، إن قمت بمعصية، ولكن كل ما أقوم به هو التكفير عن هذه الأيمان بثلاثة أيام صياما فقط.
فأرجو الإفادة منكم.
الإجابــة:
تبين لجنة الفتوى بإسلام ويب انه لا ينبغي على المسلم أن يكثر من الحلف، فإن كثرة الحلف تحرج الحالف، وتضيِّق عليه، وربما عرضته لعدم حفظ اليمين المأمور به شرعًا، قال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}.
قال ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: جرى معتادهم بأن يقسموا إذا أرادوا تحقيق الخبر، أو إلجاء أنفسهم إلى عمل يعزمون عليه؛ لئلا يندموا عن عزمهم، فكان في قوله: {واحفظوا أيمانكم} زجر لهم عن تلك العادة السخيفة. وهذا الأمر يستلزم الأمر بالإقلال من الحلف؛ لئلا يعرض الحالف نفسه للحنث. والكفارة ما هي إلا خروج من الإثم. وقد قال تعالى لأيوب عليه السلام: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث}، فنزهه عن الحنث بفتوى خصه بها.
وتضيف : على كل فيجب عليك الكف عن تلك المعصية، وعدم المعاودة لها، ثم إنه إن قدر أنك تجاسرت، وعدت لتلك المعصية، لا يجب عليك صيام شهر، أو غير ذلك من الأيام التي حلفت على صومها، بل يستحب لك ذلك، وإذا لم تصمها، فإنه تجب عليك كفارة اليمين.
فاليمين التي يجب الوفاء بها هي ما كانت على فعل واجب، أو ترك محرم.
جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني:
فمن حلف على فعل مكروه، أو حلف على ترك مندوب، سن حنثه، وكره بره؛ لما يترتب على بره من ترك المندوب قادرا. ومن حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، كره حنثه، وسن بره؛ لما يترتب على بره من الثواب بفعل المندوب، وترك المكروه امتثالا. ومن حلف على فعل واجب، أو على ترك محرم، حرم حنثه؛ لما فيه من ترك الواجب، أو فعل المحرم، ووجب بره؛ لما مر. ومن حلف على فعل محرم، أو ترك واجب، وجب حنثه؛ لئلا يأثم بفعل المحرم، أو ترك الواجب، وحرم بره؛ لما سبق. ويخير من حلف في مباح ليفعلنه، أو لا يفعله، بين حنثه، وبره، وحفظها فيه أولى من حنثه؛ لقوله تعالى: واحفظوا أيمانكم {المائدة: 89}.
والتكفير بصيام ثلاثة أيام مجزئ، إذا كنت عاجزا عن إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، وأما إن كنت قادرا على الإطعام، والكسوة، فلا يجزئك التكفير بالصيام.
قال تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 89}.
وتكفيك كفارة واحدة عن الأيمان المتعددة ما دمت لم تكفِّر من قبل.
جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني: ومن لزمته أيمان موجبها واحد، ولو على أفعال نحو: والله لا دخلت دار فلان، والله لا أكلت كذا، والله لا لبست كذا، وحنث في الكل قبل تكفير، فكفارة واحدة نصا؛ لأنها كفارة من جنس، فتداخلت كلها كالحدود من جنس - وإن اختلفت محالها - كما لو زنا بنساء، أو سرق من جماعة، وكذا حلف بنذور مكررة أن لا يفعل كذا، وفعله، أجزأه كفارة واحدة؛ لأن الكفارة للزجر، والتطهير، فهي كالحدود، بخلاف الطلاق. وإن حنث في يمين واحدة، وكفر عنها، ثم حلف يمينا أخرى، لزمته كفارة ثانية، وكذا لو كفر عن الثانية، ثم حلف يمينا أخرى، لزمته كفارة ثالثة، وهلم جرا، لوجوب كل واحدة عليه بالحنث بعد أن كفر عن التي قبلها، كما لو وطئ في نهار رمضان فكفر، ثم وطئ فيه أخرى، بخلاف ما لو حنث في الكل قبل أن يكفر.