كثير من الناس في هذه الأيام، يشكو من ضيق الرزق، وهي أمور دنيوية، ستمر لاشك، وسيأتي فرج الله يومًا مهما تأخر، ومع ذلك تزداد شكاوى الناس حيال هذا الأمر، فما بالنا بإفلاس يوم القيامة، فحينها تنتهي الأمور، ويبدأ الحساب، فكيف بك تقف أمام الله عز وجل مفلسًا يوم القيامة؟.. وما ذلك إلا لأنك خضت في أعراض الناس، فأخذ هذا من حسناتك، وهذا من أعمالك الطيبة، ورد إليك هذا من أعماله السيئة، فتزداد عليك الديون، فتقف عاريًا وحيدًا، تتمنى لو أن تعود بك الدنيا فلا تقع في أعراض الناس، إلا أن الأمر يكون قد انتهى، فلا عودة أو رجوع، وإنما حساب ومصير محتوم.
وقد تواترت النصوص الشرعية في التشديد والنهي عن التفحش والحث على صون اللسان والجوارح عن الفحش والبذاءة، إذ يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف: «إياكم والفحش؛ فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش. وقال: إن أثقل ما يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء».
مراقبة الناس
الخائض في أعراض الناس يكون شغله الشاغل مراقبة الناس، ومتابعة أعمالهم لحظة بلحظة، (فلان فعل كذا وفلانة فعلت كذا)، ولو بالكذب أو التأليف، فتراه يكذب القصة ويصدقها، وهو أمر بات شائعًا هذه الأيام، وينسب إليهم الإساءات الواقعة وغير الواقعة منهم، فمثل هذا إنما هو لاشك مُفْلِس أي سيأتي يوم القيامة مفلسًا تمامًا وإن كان يصوم ويصلي ويخرج الصدقات، وحتى وإن كان قد اعتمر وحج وفعل ما فعل من الطاعات والخيرات، لأن هؤلاء الذين يتحدث عنهم ويخوض في أعراضهم سيأخذون كل ما فعل من خير، بل وإذا انتهت، سيعطونه من سيئاتهم، فأي ضرر أكبر من ذلك؟.. بالتأكيد لا يوجد.
وفي ذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، في حديثه الشريف مخاطبًا أصحابه: « أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ».
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةإياك وعورات الناس
عزيزي المسلم، إياك وعورات الناس، ذلك أن نشر الإشاعات والفضائح، والتنابز بالألقاب البذيئة والسباب بين الناس محرم شرعًا، ولا يجوز في أي حال من الأحوال، بل هو من باب نشر الفاحشة التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».
وبالتالي فإن الذين يجيزون ويبررون نشر الفحش والألفاظ البذيئة بدعوى التعرض للظلم، محتجين بقوله تعالى: «لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ»، مخطئون، لأن الشرع في سائر أحوال العزيمة والرخصة يدور في إطار أخلاقي مُحكمٍ ومنضبط، لا يمكن أبدًا أن يسمح بأي انحلال أخلاق أن ينتشر بين الناس.