يبدو أن الكبائر التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، أصبحت بالنسبة للناس في العصر الحاضر صغائر لا يخشون فعلها، بل أصبحوا يستخفون بها، ويكررونها، ويصرون عليها، وهم غير مكترثين بهذا، وما قد يلاقونه من عذاب الله يوم القيامة.
فحين يصف النبي صلى الله عليه وسلم ذنبًا بالكبيرة، فهو يحذر بشدة من فعلها، ويكشف عن خطرها، وهلاك صاحبها بها يوم القيامة.
وعن أبي بَكْرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا أنبئكم بأكبرِ الكبائر؟ ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور))، وكان رسول الله متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت!.
فقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، عن ثلاث كبائر وقال إنها من أكبر الكبائر، أولها الإشراك بالله نعوذ بالله منه، ولا يوجد مسلما مشركا بالله، ولكن الكبيرتين الأخرتين، هما وللأسف يقع فيهما الكثير من المسلمين، وأولها عقوق الوالدين، وثانيها قول الزور.
فقد يستصغر المسلم أن يسب أبويه، بل ويتعدى عليهما، ويشهد بالزور، معتبرا أن شهادته بالزور لصالح صديقه هي من قبيل الشهامة، ونجدته، غير مكترث بما يفعل من ظلم لغيره.
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من الكبائر شَتْمُ الرجل والديه))، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: ((نعم، يسُبُّ أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)).
وأخرج الترمذي في "كتاب البيوع" "باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه" "كتاب التحريم" "باب ذكر الكبائر" حديث (4021).
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقة والكبيرة كل ذنب رتب عليه غضب أو لعنة أو نار أو عذاب أو حد في الدنيا، وما سوى ذلك فهو صغيرة.
وهو كل ذنب يُقدِم عليه صاحبه من غير خوف أو حذر أو ندم، كالمتهاون بارتكابه.
قال تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31].
وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [النجم: 32].
وكبيرة عقوق الوالدين لا يشترط أن تكون بسبهما فقط، بل وهو قطع برهما؛ لأنه مأخوذ من العق، وهو القطع؛ ولذا سميت العقيقة للولد بهذا الاسم؛ لأنها تقطع أوداجها.
وعقوق الوالدين من أعظم الذنوب، ويكثر التساهل فيها، ولعظم هذا الذنب قرن بذنب الشرك في حديث الباب، كما قرن التوحيد المنافي للشرك بالإحسان للوالدين المنافي للعقوق في قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23].
وشهادة الزور أو قول الزور، وهو القول الباطل والشهادة الباطلة، وهذه شأنها عظيم، كم استُحِلَّت دماء وفروج وأموال بسبب قول باطل وشهادة باطلة، وأيضًا لعظم شأنها قرنت بالشرك في حديث الباب، وكذلك في كتاب الله تعالى؛ حيث قال: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30].
فتكرار النبي صلى الله عليه وسلم لشهادة وقول الزور وجلوسه لهذا الذنب بعدما كان متكئًا، ربما يظن البعض أنها تعني بذلك أنها أعظم من الشرك وعقوق الوالدي، لكن فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنها أسهل وقوعًا بين الناس، والتهاون بها أكثر، والحامل على شهادة وقول الزور أشياء كثيرة؛ كالعداوة والحسد والطمع وغيرها، فضررها أعظم؛ فهي تحل الدماء والفروج والأموال.
فحين يشهد شخص على آخر بأنه قتل نفسًا عمدًا، فيحل بذلك دمه، أو يشهد أن فلانًا عقد على فلانة فيحل بذلك فرجها، أو يشهد لآخر بأن له كذا من الأموال على فلان، فيُحل مال أخيه بغير حق، فالدواعي لشهادة الزور والقول بشهادة الزور كثيرة، بخلاف الإشراك بالله وعقوق الوالدين.