ما استعاذ الأنبياء من شيء بقدر ما استعاذوا من الجهل والجاهلين، لأن الجهل هو شقيق المعصية ودليل البهتان، فحينما تصاحب جاهلاً يصيبك بجهله ويلبث عليك دينك، ومعتقدك، ويشكك في كل ما تؤمن به فطرته السليمة، كما أن الجهل هو دليل البهتان، لأنك حينما تجهل وتتحدث بغير علم فأنت تكذب على الله، وحينما يكذب الإنسان يحاول أن يدافع عن كذبه فيعمل بجد من أجل إثبات جهله، فيجادل عنه وينتصر له، حتى يسوق نفسه وغيره إلى هلكتهم جميعًا.
الجهل شقيق المعصية
كما أن الجهل يؤدي للانغماس في معصية الله، ولهذا حذر القرآن الكريم من هذه الصفة، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم صحابته وامتهن وطلب من الناس أن يتعلموا ويتفقهوا في الدين، فقال صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".
فحينما تكون متعلما متفقها في الدين وفي شئون الحياة الدنيا والأخرة، فقد تحصنت بحصن الله المنيع ألا وهو العلم، فالعلم بمثابة النور والهدى اللذين يمنعان المرء من اقتراف المحرمات والمنهيات، بل إن العلم باب من أبواب تعظيم الله وتوقيره، ومفتاح لفعل الطاعات.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق بالله لذا كان أخشاهم لله وأتقاهم، بل وأكثرهم إقبالاً على الله عبادةً وتضرعًا، وتوبةً واستغفارًا.
ووصف الله العصاة في القرآن أنهم ﴿ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾ [النِّسَاء: 17]. أي جهل بمقام الله وقدره، أو جهل بنظر الله ومراقبته، وانظر لجهل بني إسرائيل مع نبيهم موسى عليه السلام وجدالهم له حين أمرهم بأمر الله في ذبح البقرة فقالوا: ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾ [البَقَرَة: 67].
ولما سأل نوح عليه السلام ربه أن ينجي ابنه الكافر من الغرق في الطوفان، عاتبه الله ووعظه وحذّره أن يكون من الجاهلين فقال جل وعلا: ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هُود: 46].
فكان رد موسى عليه السلام عليهم أن قال لهم: ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البَقَرَة: 67]، ولم يقل أعوذ بالله أن أكون من المستهزئين أو الساخرين.
كما أن نبي الله يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز للفاحشة فرد عليها داعيا ربه قائلاً: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يُوسُف: 33].
فكلما اتجهت في العلم طريقا جدد الله إيمانك بهذا العلم، فمن كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، حتى تكون من أهل خشيته وأهل كرامته، كما قال تعالى: ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البَيّنَة: 8].
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةالجهل يدل على البهتان
ولم تتوقف خطورة الجهل على ارتكاب المعصية فقط، بل يتمدد الجهل ليكون دليلا للغير على الكذب والبهتان، فحينما يتفشى الجهل يكثر الكذب، لأن الجاهل يتخذ من هواه إلها له، ويريد أن ينتصر لجهله، فهو لا يحب أن يكون منبوذا في المجتمع، وحينما يعجب بجهله يبدأ في البحث عن ترويج هذا الجهل بالكذب والبهتان، فيسوق غيره إليه.
والناسُ في الوقت الحاضر يتهافَتون إلى نقل الأخبار الكاذبة في مجالسهم وعبر وسائل التواصل، بل حتى في بيوت الله تعالى التي بُنِيَتْ لذكر الله وإقام الصلاة، لا يرقُبُون في مُؤمنٍ إِلًّا ولا ذِمَّة، ولا يراعون للمساجد تعظيمًا ولا حرمة! فينشرون الكذب ويتقولون على الله ورسوله بغير الحق.
وصاحب البهتان ليس له عمل يُكفِّر به فَعْلَتَه إلا بالتوبة النصوح والإصلاح، فإن لم يَتُبْ أو بقِيَتْ عليه تَبِعات ذنبه، فإنه يُحبَس يوم القيامة على جسر جهنم، حتى يُنقَّى مِن ذنبه؛ بأخذ حسناته، أو بطَرْح سيئات مَن بهتَهم عليه؛ فعن سَهْل بن معاذ بن أنس الجُهني، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَن حمى مؤمنًا من منافق، أراه قال: بعَث الله ملكًا يحمي لحمَه يوم القيامة مِن نار جهنم، ومَن رمى مسلمًا بشيء يريد شينَه به، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال)).
ونبه الله عز وجل على حرمة الاستماع إلى صاحب البهتان، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، فلا يغرَّك شكل هذا الفاسق ومظهرُه.
وتذكر قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16].
وقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: 19].