المعادلة تقول إنه عند العمل الكثير يربح الإنسان أكثر، لكن تخيل أن العكس تمامًا هو الصحيح، إذ تعمل قليلا جدًا، فتربح كثيرًا جدًا.. كيف ذلك؟.
يروى أن سفيان بن دينار، قال : قلت لأبى بشير - وكان من أصحاب الإمام علي رضي الله عنه -: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، فقال: كانوا يعملون يسيرًا ويؤجرون كثيرًا، قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: لسلامة صدورهم.
فالأمر ليس بالصعب، لكن سهل يسير على من يوقن ويؤمن في الله جل الإيمان، بينما من أصاب قلبه الوهن، فإنه بالأساس يكون بعيدًا عن طريق الصالحين، فلا يعرف للعمل القليل ولا الكثير أي سبيل، فتضيع حياته، وهو يتصور أنه يحسن الصنع.
قال تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (سورة الْكَهْفِ 104).
سلامة الصدر
الطريق إلى الفوز الكبير، هو بسلامة الصدر لاشك، فعن زيد بن أسلم قال: دُخل على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ قال: «ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنين؛ أما أحدهما: فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى: فكان قلبي سليمًا للمسلمين».
إذ أنه لا يكن أن تطأ أقدام أهل الجنةِ الجنة، إلا بعد أن ينزع الله ما في قلوبهم من غل، ويرفع ما في نفوسهم من حسد وشحناء، فتصبح بواطنهم كظواهرهم، صفاءً ونقاءً، جمالاً وبهاءً.
قال تعالى: « وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ » (الحجر: 47)، ولمّ لا وقد قيل للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد».
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةصفات المقربين من الله
سلامة القلب هي من صفات المؤمنين المقربين من الله عز وجل ورسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك هو من صفات المهاجرين والأنصار، قال تعالى: «وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ » (الحشر: 10).
لكن قبل أي شيء يجب على كل مسلم أن يجاهد نفسه في سلامة صدره، وذلك بأن يعلم يقينًا أن من أعظم ما يستلذ به الشيطان ويسعى إليه هو بث الضغائن والأحقاد بين المسلمين.
في الحديث المرفوع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان قد أَيِسَ أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»، فإذا سلم المسلم في صدره، نال كل ما تمنى لاشك، وفاز بأكبر مما يسعى إليه، لأن الله مطلعًا على نواياه فيمنحه بحسن نيته أكبر مما يستحق.