قد لا يتصور البعض مدى حلم الله تعالى على عباده، ففي الوقت الذي يبارز الل فيه أناس بالمعاصي ويتجرأون على معصيته يحلم عليهم ويمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة، قال تعالى: "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى".
وفي الحديث الشريف عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحَدَ أصْبَرُ علَى أذًى يَسْمَعُهُ مِنَ الله عزَّ وجل، إنَّه يُشْرَكُ به، ويُجْعَلُ له الوَلَدُ، ثُمَّ هو يُعافيهم ويَرْزُقُهُم) رواه مسلم. قال ابن القيم في "عدة الصابرين": "وصبره تعالى يفارق صبر المخلوق ولا يماثله من وجوه متعددة..".
مبارزة الله بالتكذيب والشتم:ولمبارزة الناس لربهم صور كثيرة أخطرها تكذيبهم له وشتمهم إياه، وهذه معصية كبيرة عظيمة لا يستهان بها فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال اللَّه عز وجل: كَذَّبَنِي ابنُ آدم ولم يكنْ له ذلك، وشتمني ولم يكنْ له ذلك، أما تكْذِيبه إِياي فقوله: لنْ يعيدني كما بدأني، وليس أوّل الخلْقِ بِأهون عليَّ منْ إِعادتِه، وأَمَّا شَتْمُه إيَّايَ فقوله: اتخذ اللَّه ولدا، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكنْ له كفوا أحد) رواه البخاري.
وقد حكى القرآن الكريم هذا الكلام وبين خطره ورد على مزاعم المنكرين للبعث وفند أقوالهم وورد ذلك في غير آية من القرآن الكريم من هذا قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}(مريم:95:90)"..
رد القرآن على منكري البعث:وقد ضرب الله لهؤلاء المنكرين مثلاً بما هو أشد مما ينكرونه، بل قال لهم عز وجل كونوا أيَّ خلق مما يكبر في صدوركم، فإني سأعيدكم وأحيي أجسادكم. قال الله تعالى:{وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}(الإسراء:51:49). قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للمكذبين بالبعث بعد الممات من قومك.. كونوا إن عجبتم من إنشاء الله إياكم، وإعادته أجسامكم، خلقاً جديداً، أو خلقاً مما يكبر في صدوركم إن قدرتم على ذلك، فإني أحييكم وأبعثكم خلقاً جديداً بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أول مرة".
مكذبو العصر الحديث:
وفي العصر الحديث يعيش البعض غير مكترس بغضب اله عليه وهو لا يبالي بأمواله من أين أتت ولا فيما ينفقها بل لا يعبأ حتى بمجرد التفكير في المعصية وخطرها مستهينا بك عقوبة وهو بهذا كالمنكر للموت والبعث فهو إن كان مؤمنا بهما لعمل لهما حسابا فهؤلاء لا شك على خطر عظيم إن لم يرجعوا ويتوبا وها قد اقترب رمضان ليصحح الناس سلوكهم وعباداتهم واعتقاداتهم حتى ينجوا من يوم تشخص فيه القلوب والأبصار.