الهمة.. أحيانًا ما تصل بصاحبها إلى أعلى درجاتها، فتراه يقوم الليل، ويصلي جميع الصلوات في المسجد، ويصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، ويصل رحمه، ويتصالح مع الجميع، ويتراجع عن كل صفاته السيئة، وأحيانًا أخرى تنزل به إلى أقل درجة، فتراه يغضب لأتفه الأسباب، وربما لا يصلي كل الفروض، فكيف بنا نحافظ على همتنا عند ثباتها حينما تكون في أعلى درجاتها؟.
الإجابة ببساطة تأتي من خلال الثبات على العمل والهمة بألا نحمل أنفسنا فوق طاقتها، قال تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»، فالعمل بطاقتك الحقيقية هي حقيقتك، ومن ثمّ إياك أن تتقمص قدرات غيرك فتنكشف حقيقتك، فإذا كنت تستطيع إتيان كل هذه الأمور من (قيام ليل لصلاة في توقيتها لصيام لقراءة قرآن لصلة رحم، وتصفية قلبك دون أي ضغينة) فافعل، لكن إن لم تكن تستطيع فعليك بالفرائض أولا وهي ستوصلك إلى المرتبة اللاحقة عاجلا أم آجلا.
علو الهمة
علو الهمة يأتي بخطوات، وليس مرة واحدة، كالطفل الصغير عليه أولا أن يمشي لا أن يجري، وهكذا، عليك أولا أن تؤدي الفرائض التي كتبها الله عليك، والالتزام بها لاشك سيأتي بالمرتبة التي تليها، فلا تتعجل، لأنك لو تعجلت ستكون كالطفل الذي أراد أهله أن يجعلوه يجري قبل أوانه فتكون النتيجة كارثية، فإذا تمسكت بالأمور شيئًا فشيئًا لاشك ستصل، حتى لا تقع في فخ الذين أرادوا إعلاء همتهم فجأة فسقطوا ولم يعودوا.
قال تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ » (الأعراف: 175، 176).
اقرأ أيضا:
الكسل داء يبدد الأعمار والطاقات.. انظر كيف عالجه الإسلامتدريب النفس
إذن عليك يا عزيزي تدريب نفسك، وخطوة تلو الأخرى ستصل إلى أعالي الهمم، ذلك أنها درجات، تبدأ بالصغيرة، ثم تضيف شيئًا، فشيئًا حتى تكون النتيجة الطبيعية، بأن تصل إلى ما تربو، دون كلل أو ملل، وحينها ستكون نفسك نجحت في مواجهة أي ضغائن، ولن تحدثك عن عيوب هذا أو ذاك، ولن تأخذك بعيدًا عما تريد، طالما بالفعل أنت تريد طريق الجنة، ذلك أنها وعت وتعلمت واكتسبت خبرات، ولم تنقلها مباشرة من الحضيض إلى أعلى درجة مرة واحدة، لأنك لو فعلت ذلك، لاشك ستسقط كما سقط غيرك من قبل.
وفي ذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غاليةٌ، ألا إن سلعة الله الجنة»، لذا فإن الجنة درجات، جاء في الصحيحين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الدرجات العلى ليرَون أهل عليين كما ترَون الكوكب الغابر في أفق السماء»، وقال تعالى: « وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا » (الإسراء: 21).