ربما تقضي بعض الظروف في حياتنا أن نتعامل مع بعض الأشخاص المغرورين والمتكبرين، والذين قد يتشاجرون معك حال وجهت إليهم النصيحة بالتخلي عن كبرهم وغرورهم، وقد يكون هذا الشخص رئيسًا لك في العمل، وتدفع الثمن من نصيحتك له ترك العمل، وقد يكون الثمن أفدح من ذلك بأن تتعرض لأذى شديد منه إذا كان صاحب منصب أو كان بلطجيًا يؤذي جيرانه، وقتها تصعب عليك النصيحة، ويزداد جرم هذا المتكبر في حق نفسه وفي حق غيره.
وقد جعل الله عز وجل النصيحة أساسا من أسس الدين، وقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي رقية تميم بن أوسٍ الداري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الدِّين النصيحة »؛ قلنا: لِمَن؟ قال: « لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم »؛ رواه مسلم.
كما ان الله عز وجل أمر نبيه موسى مع كبر فرعون وغروره: "وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)الزخرف، أمره ربه أن يذهب لفرعون هذا ويقول له قولا لينا لعله يرجه عن كبره وصلفه وغروره ويؤمن بالله: " اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"، ولكن خشى موسى عاقبة تقديم النصح لفرعون: " قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى* قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى"، وذلك بالرغم من ان موسى مؤيدا من السماء.
كيف ننصح نحن أمثال هؤلاء المتكبرين والمغرورين خاصة إذا كانوا أهل فجور وإيذاء؟
فالغرور بشكل عام عبارة عن مزيج من مشاعر التعجرف والتكبر والغطرسة، وأن تكون مغروراً ذلك يعني أنك إنسان لا تقدر الآخرين ولا تحترم ما يقومون به؛ بالإضافة إلى أن الشخص المغرور يعتقد أن كل شيء يدور حوله وأنه محور الأحداث التي تجري في محيطه، والمغرور يعتقد أنه صاحب قوة وبأس ومال وسلطة ونفوذ، وأنه سبب نجاح أي شيء، بالإضافة إلى أن مشاعر الغطرسة والتكبر التي تدفعه لإيذاء مشاعر الناس خلال الحديث معهم.
ومع ذلك فإن للمسلم على المسلم حقوقًا، وأن من أعظمها وأهمها على الإطلاق نصحه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « حق المسلم على المسلم ستٌّ »، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: « إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصَحك فانصَح له، وإذا عطس فحمِد الله فشمِّته، وإذا مرِض فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعه».
وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 62].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير النصح لأصحابه ولأمته، فقال: « يا علي: لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة »؛ وقال صلى الله عليه وسلم: « يا عبدالله بن عمر: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل »؛ وقال أيضا: « يا معاذ، والله إني أحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعِنِّي على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك ».
ولكن النصيحة موهبة تحتاج من يعرف مهارتها كيف ينصح ومتى ينح ومن ينصح.
فبعض الناس إذا كان غاصبا وهو فاجر يسب دين الله ونصحته بألا يسب الدين فقد يتمادى في سب الدين ويكثر منه عنادا معك، وقد يقول أكثر من ذلك، وبعضهم ربما يفعل ما أكثر فحشا، لذلك يجب التدرب كيف تنصح غيرك ومتى ومن الذي يستحق النصيحة، لأن هناك أناس نصيحتهم قد تكون أذى لك ولغيرك.
قال تعالى : ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةومن هذه القاعدة الربانية نستلهم قواعد النصح وهي:
- يجب إن يقصد بالنصح وجه الله.
- يجب على الناصح أن يكون قدوة حسنة فلا يخالف قوله عمله ونيته. قال الله تعالي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2].
- يجب على الناصح أن يكون حكيمًا صادقًا .
- يجب أن يكون الناصح رفيقًا لينًا قال الله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
- يجب على الناصح أن يختار الوقت المناسب للنصيحة.
- يجب أيضا أن يتدرج في النصيحة.
- يجب التعرف على شخصية الشخص الذي تقدم له النصيحة وقناعاته ومعتقداته ومكانته الاجتماعية، والتعرف على ظروفه الفكرية والشعورية والجسدية والبيئية والمعرفية.
- اختيار الوسيلة المناسبة لتوصيل النصيحة أما مسموعة أو مكتوبة أو مرئية.
- اختيار المكان المناسب وتهيئة الظرف المناسب.
- تحقيق النتائج والهداية توفيق من الله، قال الله تعالى: ﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272].