ربما ينشغل بعض الناس عن الخشوع في الصلاة، حيث تغلب عليه غلب عليه الوسوسة فى إخراج حروف الفاتحة، وسائر الأذكار من مخارجها.
ولا تزال يحتاط فى التشديدات، والفرق بين الضاد والظاء، في كلمة " ولا الضالين" لا يهمه غير ذلك ولا يتفكر فى أسرار الفاتحة ولا فى معانيها.
 ولم يعلم أنه لم يكلف الخلق فى تلاوة القرآن من تحقيق مخارج الحروف إلا ما جرت به عادتهم فى الكلام.
يقول حجة الإسلام الإمام الغزالي:" وهذا غرور عظيم.. ومثالهم مثال من حمل رسالة إلى مجلس السلطان وأمر أن يؤديها على وجهها.. فأخذ يؤدى الرسالة ويتأنق فى مخارج الحروف ويكررها ويعيدها مرة بعد أخرى وهو مع ذلك غافل عن مقصود الرسالة.. ومراعاة حرمة المجلس.. وبهذا يرد إلى دار المجانين ويحكم عليه بفقد العقل".

المغترون بقراءة القرآن:

يقول حجة الإسلام: وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن، فيهدرونه هدرا.. وربما يختمونه فى اليوم والليلة ختما.. وألسنتهم تجرى به.. وقلوبهم تتردى فى أودية الأماني والتفكر فى الدنيا.. ولا يتفكر فى معانى القرآن..لينزجر بزواجره.. ويتعظ بمواعظه.. ويقف عند أوامره ونواهيه".
ويضيف الإمام الغزالي في وصفه لهذا الصنف من الناس :" كما أنه لا يعتبر بمواضع الاعتبار منه.. ويتلذذ به من حيث المعنى لا من حيث النظم.. ومن قرأ كتاب الله تعالى فى اليوم والليلة مائة مرة.. ثم ترك أوامره ونواهيه فهو مستحق العقوبة.. وربما قد يكون له صوت لين فهو يقرأ ويتلذذ به.. ويغتر باستلذاذه.. ويظن أن ذلك مناجاة الله سبحانه تعالى.. وسماع كلامه.. وهيهات ما أبعده.. إذا لذاته فى صوته.. ولو أدرك لذة كلام الله تعالى ما نظر إلى صوته وطيبه..ولا تعلق خاطره به.. ولذة كلام الله إنما هى من حيث المعنى".

اقرأ أيضا:

"لا حيلة في الرزق".. انشغل عن رزقه بحسدك فكيف تبطل أثر عينه؟

صنف آخر من المغترين:

وفرقة أخرى اغتروا بالصوم.. وربما صاموا الدهر.. وصاموا الأيام الشريفة وهم فيها لا يحفظون ألسنتهم من الغيبة.. ولا خواطرهم من الربا.. ولا بطونهم من الحرام عند الإفطار ولا من الهذيان من أنواع الفضول.. وذلك غرور عظيم.. وهؤلاء تركوا الواجب.. وأبقوا المندوب.. فظنوا أنهم يسلمون.. وهيهات.. إنما يسلم من أتى الله بقلب سليم..
كما أن هناك صنفا من الناس يقوم بالأذان ويظن أنه يؤذن لله تعالى.. ولو جاء غيره وأذن فى وقت غيبته قامت عليه القيامة.. وقال: لم أخذ حقى وزوحمت؟
ومنهم من يترتب كإمام مسجد ويظن أنه على خير.. وإنما غرضه أن يقال: إنه إمام المسجد.. وعلامته: أنه لو قدم غيره وإن كان أروع منه.. وأعلم.. ثقل عليه ذلك.