هل استشعرت يوما بعدما ندمت على ذنب اقترفته بالخوف من الله؟، هي ارتعدت فرائسك من هول المعصية؟ هل تعرف ماهو الخوف من الله تعالى؟،.. حقيقة لا يبلغ أحد مأمنه من الله إلا بالخوف منه، قال الله عز وجل: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]، وقال عز وجل: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة:44]، وقال سبحانه: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}.
ويقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على لسان رب العزة في حديث قدسي: « وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، إِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
من هم أهل الخوف؟
أهل الخوف هم المتقون، الذين يتقون الله، ويخشون عذابه، ويمتنعون عن معصيته، قال سبحانه: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنِ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:48، 49].
ولقد سمى الله جل وعلا من يخافونه أبرارًا فقال: إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:5-7].
ووصفهم بأنهم الذين يسارعون إلى الخيرات فقال: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ فقالت: يا رسول الله، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله؟ قال: ((لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل)).
و قال الحسن رحمه الله: "عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانًا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنًا، ولقد أمر الله نبيه أن يقول: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الزمر:13]، فكيف بغيره من أهل المعاصي والسيئات المرتكبين للكبائر والموبقات؟!".
الخوف يحرم جسد المؤمن على النار
الخوف هو الشيء الوحيد الذي يحرم جسد المؤمن على النار، فربما يصوم المؤمن ويصلي ويتصدق، ولكنه لا يستشعر الخوف من ربه، ولا يستشعر بأي رهبة حال ذكر الله، فالخوف من الله جل وعلا سبب لمغفرة الذنوب وحصول الأجر من الله، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12].
وعن أبي هريرة عن النبي قال: ((كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذرّوني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغُفِر له)).
وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: ((يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شَظِيّة بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة)) .
والخوف من الله وخشيته في الخلوة من أسباب الاستظلال بظل الله جل وعلا والأمن يوم القيامة من النار، فعن أبي هريرة عن النبي قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضَّرْع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)).
وقال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنبكيف تخاف الله عز وجل؟
1/قراءة القرآن وتدبر معانيه: قال تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الاسراء:107-109]، وقال عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58].
2/ استشعار عظمة الذنوب، عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا".
3/ تعظيم محارم الله
4/معرفة فضل الخائفين من الله الوجلين، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]. وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «لا َيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع، وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ».
5/سماع المواعظ المؤثرة والمحاضرات المرققة للقلب. عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ـ وهو أحد البكّائين ـ قال: "وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب" .
6/ كثرة ذكر الله: فكثرة الذكر تبعث على استحضار جلال الله وعظمته ومراقبته ومحبته والحياء منه، وكل ذلك يبعث على خشيته والخوف منه ومن عذابه ومن حرمانه.
7/ الخوف من مباغتة العقوبة، وعدم الإمهال والتمكن من التوبة