يقول النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه : ((اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ، وأتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ النّاسَ بخلقٍ حسن)).
يرتهن أمر المؤمن في الحياة الدنيا، بحاله وما يحصده منها، وقد بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن أهم ما يحصده المرء في الدنيا هو النصيحة الطيبة، فالإنسان يحتاج إلى المداومة والاستمرار والإلحاح عليه، من أجل البقاء على فطرته السوية، لأنه دائما ما يضل وينسى، فكلما ابتعدت عنه وتركته لشيطانه، تغلب عليه هواه وانتصر عليه شيطانه، وانحرف عن هذه الفطرة.
فريسة سهلة
لذلك وضع النبي صلى الله عليه وسلم العلاج والروشتة الموجزة في نصيحته للأمة من خلال معاذ، حينما قال له : "اتق له حيثما كنت"، وهو يعني أن نضع الله نصب أعيننا في كل زمان ومكان، وأن نذكر أنفسنا بالله عز وجل، وأن نسارع للتوبة عن الخطأ كلما انحرفنا إليه، ولا نندفع إلى الشيطان من خلال اليأس في التوبة، فالاستغفار عن كل ذنب تقبل عليه والمسارعة إل التوبة هو الطريق الوحيد للعودة، لأن الشيطان ينتظر اللحظة الحاسمة التي تيأس فيها من نفسك ويجهز عليك حينما تشعر أن تذنب ثم تتوب ثم تذنب ثم تتوب ثم تذنب تم تيأس من توبتك، ووقتها ستكون فريسة سهلة للشيطان، وستكون تحت سيطرته.
وخيرَ ما وُعِظت بهِ القلوبُ وهُذِّبت به النّفوس آياتٌ كتاب الله تعالى و أحاديثُ النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ) [الجمعة:2].
كما أن لكلّ حسنةٍ ثوابًا، ولكلّ سيّئةٍ عقابًا، وكلّ نفسٍ بما كسبت رهينة، يقول الله في الحديثِ القدسيّ: ((يا عبادِي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوَفِّيكم إيّاها، فمَن وجدَ خيرًا فليحمدِ الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)).
وكلّ إنسانٍ يلقى كتابَه، الذي عمله في الدّنيا كتبَه الله عليه في الدّنيا ويلقاه يومَ القيامَة، فآخذٌ كتابَه بيمينِه، وآخذٌ كتابَه بشمالِه، قال عزّ وجلّ: (وَكُلَّ إِنْسَـانٍ أَلْزَمْنَـاهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ كِتَابًا يَلْقَـاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كَتَـابَكَ كَفَىا بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:13، 14].
لذلك يجب علينا ألا نيأس من التوبة وألا نقع في شرك الشيطان، ولنجعل دائما الله نصب أعيينا، بأنه لا ملجأ منه إلا إليه، ولن يكون ذلك إلا بالاستمرار في العمل والتوبة والاستغفار، حتى ولو بلغت ذنوبنا زبد البحر.
اقرأ أيضا:
تنال بها المغفرة .. 10 سنن وأعمال مستحبة في ليلة الجمعة ويومهاسحر النصيحة
ولكي يبقى الأمل الوحيد في التوبة، والتمسك بحبل الله المتين، لا سبيل لذلك بيننا وبين أنفسنا وبيننا وبين الناس إلا بالنصيحة، فالنصيحة هي كلمة السر التي أرشد لها النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: "((الدّين النّصيحة، الدّين النّصيحة، الدّين النّصيحة))، قلنا: لمن يا رَسول الله؟ قال: ((لله ولكتابِه ولرسولِه ولأئمّةِ المسلمين وعامَّتِهم)) ".
وصُلحاءُ المسلمين هم المتّصِفون بالنّصيحة لله ولكتابِه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، قال أبو بكر المزنيّ رضي الله عنه: "ما فاقَ أبو بكر رضي الله عنه أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصومٍ ولا بصلاةٍ، ولكن بشيءٍ كان في قلبِه"، قال: "الذي كانَ في قلبِه الحبّ لله عزّ وجلّ والنصيحةُ في خلقه".
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما أدرَك عندنا مَن أدرَك بكثرةِ الصّلاة والصّيام، وإنّما أدرَك عندَنا بسخاوةِ الأنفُس وسلامةِ الصّدور والنّصح للأمّة".
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنّك تراه)) رواه مسلم من حديث عمر رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((البرّ ما اطمَأنّت إليه النّفسُ واطمأنّ إليه القَلب، والإثمُ ما حاكَ في النّفس وتردّد في الصّدر وكرِهتَ أن يطّلعَ عليه النّاس وإن أفتاك النّاس)) .
والنّصيحة هي القيامُ بحقوق المنصوح له مَع المحبّة الصادقةِ للمنصوح له، والحقوقُ تكونُ بالأقوال والأعمال وإراداتِ القلب، والنّصحُ مِن صفاتِ الأنبيَاء والمرسَلين والمؤمنِين، والغشُّ والخِداع والمَكر وفسادُ النوايا من صفات الكفّار والمنافقين، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه الصلاة والسلام: (أُبَلّغُكُمْ رِسَـالـاتِ رَبّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف:62] .
وقال تعالى عن هودٍ عليه الصلاة والسلام: (أُبَلّغُكُمْ رِسَـالـاتِ رَبّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [الأعراف:68] وقال عن صالح عليه السلام: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّـاصِحِينَ) [الأعراف:79] وقال عن شعيب عليه السلام: (َيا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) [الأعراف:93]
وقال تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة:91].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((حقُّ المسلم على المسلم ستّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجِبه، وإذا استنصَحَك فانصَح له، وإذا عَطس فحمِدَ الله فشمِّته، وإذا مرِض فعُده، وإذا ماتَ فاتبَعه)) رواه مسلم.
وعن جبير بن مطعم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ لا يَغلّ عليهن قلبُ امرئ مسلم: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمر، ولزوم جماعة المسلمين)).
فالنصيحة لله ولعامة المسلمين بأن نحب لإخواننا من نحب من الخير والنجاة في الحياة الدنيا والأخرة، فأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسِه ويكرَهَ لهم ما يكرهُ لنفسه ويرحمَ الصغير منهم ويوقّرَ الكبيرَ وأن يعاونهم على الحقّ ويعلّمهم ما ينفعهم ويذكِّرهم وينشرَ الأمرَ بالمعروف بينهم والنهيَ عن المنكر بقدر ما تتحقّق به مصلحةُ المجتمع في حدود الشرع الحَنيف قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدُكم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))، ويدفعَ عنهم الأذَى والمكروهَ ويدفعَ عن العامّة فسادَ المفسدين وشرورَ المارقين المجرمين، كالبغاة وقطّاع الطّرق ومروِّجي المخدِّرات والمعتدين على حدود الله، لحماية دين النّاس ودنياهم، قال الله تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:24، 25].