خلق الله الإنسان وأرسل له الرسل وأمره بعبادته وبين له سبل الهدى وأمره باتباعها، وأعلمه سبل الضلال وحذره من الاقتراب منها..
ومن جميل لطف الله تعالى بعباده أن قضى بالابتلاء على عباده تكفيرا لذنوبهم ورفعًا لدرجاتهم، ومن الابتلاءات الأمراض من جملة المصائب التي تصيب الإنسان، وللمصائب أسباب ومن أسبابها: الذنوب. قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" {الشورى: 30}.
لماذا كانت الابتلاءات؟
وحين نظر العلماء في حكمة وجود الابتلاءات أدركوا انه جاءت لأسباب كثيرة منها تكفير الخطايا ومحو السيئات، وقد تكون لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وقد تكون لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، كما قد تكون أيضا بسبب ظلم بني آدم وبغي بعضهم على بعض، ومن ذلك أن المرض بل الموت قد يكون بسبب العين والحسد.
حال المؤمن حال الابتلاءات:
وأيا كن سبب الابتلاء اذي حل بالمؤمن فإنه وعلى أي حال سواء إذا حلت المصائب، سواء أكانت بسبب ذنوب العباد، أو كانت بأسباب بشرية كالحسد والعين ونحو ذلك، أو كانت دون هذه الأسباب لا بد من الصبر وعدم الجزع والتشكي، مع حسن التوكل على الله، وصدق اللجوء إليه والاستعانة به، وكثرة الدعاء والذكر وتلاوة القرآن.
وسواء علم الشخص أن ما به من الأمراض من العين أو من غيرها فإنه يطلب له دواء، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، ولا مانع من الجمع بين العلاج بالرقية الشرعية والدعاء والأذكار والتلاوة وغير ذلك مما ذكر، وبين طلب الطب والدواء عند أهل الاختصاص.
فقد ثبت بنص كتاب الله تعالى أن المصائب التي تصيب العباد إنما هي بسبب ذنوب اقترفوها، وأن ما يعفى عنه من ذلك كثير، حيث قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
البحث عن معرفة حكمة الابتلاء:
وليس على المؤمن بحث عن الحكم فهي تتكشف له وليس من المهم أن يعرف المسلم أنه عوقب على هذا الذنب أم لا، بل عليه عند حلول المصائب أن يعلم أنها ابتلاء من الله تعالى، يكفر بها عن السيئات ويرفع بها الدرجات، فيكون ذلك دافعاً له للصبر عليها، والرضا عن الله تعالى بها، فيحقق بذلك بعض أنواع العبودية.
فإن الله تعالى قد يعاقب بعض الناس فيحرمه من نعمة ما بسبب ذنوبه، كما حصل لأصحاب الجنة المذكورة قصتهم في سورة القلم، فقد حرمهم الله منها بسبب عزمهم على حرمان الفقراء منها، ويدل له كذلك الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد والحاكم وابن ماجه، وحسنه الأرناؤوط والألباني.
ولكن لا نعلم هل ما حصل للشخص بسبب هذا الذنب أم بسبب آخر؟ والذي نعلمه جزما هو أن الذنوب أسباب مباشرة لنزول المصائب، ويتعين على العبد أن يتوب إلى الله من ذنوبه، وأن يعلم أن الابتلاءات في الآخرة على من لم يتب ولم يصب في الدنيا قد تكون أعظم وأشق، كما قال تعالى في قصة أصحاب الجنة: [كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (القلم: 33).