عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلا أَنْتَ، قَالَ: وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
برحمته وليس بعملك
هذا الحديث جمع من الإعجاز والبلاغة والبيان ما يكشف للإنسان كيف ينجو من أفكاره الضيقة التي يزهو فيها ببعض عمله القاصر، إلى حالة الوجدان الطاهرة التي تمتلئ بالطمع فيما عند الله من رحمة، بعدما علم هذا الإنسان أن عمله مهما بلغ عنان السماء فهو ليس كفيلاً بأن يدخله الجنة، ولا حتى أن يكون مكافئا لنعمة واحد من أنعم الله عليه.
و الحديث دقيق جداً في كشف حقيقة العمل ومقداره وميزانه يوم القيامة، في مقابل ما يملأ قلب الإنسان من فكر، ويمكن أن يفهمه الناس فهماً خاطئاً فيعتقدون أن الجنة بالأمل وليست بالعمل فإذا فهم الناس هذا الفهم هلكوا.
فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يبين مجموعة من الحقائق الدقيقة في العقيدة عن النجاة ودخول الجنة، فالجنة سببها العمل الصالح ولكنه ومع ذلك ليس مكافئا لدخول الجنة، ولكن الدخول سيكون بفضل الله الذي سينظر إلى عبده ويتغمده برحمته بما امتلأ من قلبه من أمل وطمع في نيل رحمة الله.
وليس من الصعب أن توفق بين أن تكون الجنة بالعمل، وبين أن تكون الجنة بفضل الله عز وجل، هي بفضل الله قولاً واحداً لكن فضل الله عز وجل لا يناله إلا من دفع الثمن ألا وهو العمل.
فإذا دفع الثمن وظننت أن هذا الثمن هو كل شيء عندئذٍ لن تصل إلى الجنة، لن تبلغ الجنة إلا إذا تيقنت أنها بفضل الله.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، حاسما حينما سأله الصحابة، (فقالوا: ولا أنت ؟ قال: ولا أنا) .
فأنت حينما تعد ابنك بهدية إذا نجح، هل بعد نجاحه ستأتي الهدية وحدها، أم أنك ستضطر لدفع القيمة المساوية لشرائها، فهذه الهدية لها ثمن وعلى الأب أن يدفع الثمن، ولكن سبب إهداء هذه الهدية للابن هو النجاح فصار العمل سبب و ليس العمل سبب هو كافي أو أخير أو كافي لدخول الجنة، فالإنسان إذا عمل عملاً صالحاً واستقام على أمره وظن أنه استحق الجنة استحقاقاً قطعياً، وأنه أخذها بجهده، وعرق جبينه، ومجاهدته نفسه وهواه، هذا خطأ كبير، وإذا ظن أن الجنة ليست بالعمل لكنها للأمل أيضاً وقع في خطأ كبير.
فبعض الناس فهم فهماً مغلوطاً فلم يعمل واتكل على الأمل، وأخطر شيء في حياة الإنسان أن يتكل على الأمل ويترك العمل، وبعدهم فهم هذا الحديث أن الجنة بالعمل فقط، ويكون بذلك استغنى عن الله عز وجل.
وفضل الله على عباده أوسع من أعمالهم والله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء، أما قول الله عز وجل:﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾(سورة النحل) أي أن هذا الفضل الإلهي جعل الله سبحانه وتعالى ثمنه هو العمل فالعمل ثمن الفضل، وليس معنى ذلك أن هذا العمل كافي لدخول الجنة،
اظهار أخبار متعلقة
سدد وقارب
وفي قول النبي الله صلى الله عليه وسلم:(( قاربوا وسددوا )) فالمقاربة القصد الذي لا غلو فيه، فأحياناً يمكن أن تبالغ، خير الأمور الوسط، الاعتدال والتوسط بين التطرف هو المنهج الصحيح، ففي إنفاق المال لا إسراف ولا تقطير، لا إفراط ولا تفريط.
فالحق وسط بين طرفين، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾(سورة البقرة) تعني أننا جعلناكم وسطاء بيني وبين الخلق عامة، فأنتم مكلفون بنشر الهدى في الأفاق، قاربوا أي اعتدلوا.
فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي طوال النهار فقال عليه الصلاة والسلام من ينفق عليك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك ! النبي الكريم يقول: (والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكاف في مسجد هذا).
فأن تقوم بخدمة الناس بتيسير مصالحهم وتلبية حاجاتهم هذا هو جوهر الدين.
فنحن ندخل الجنة برحمة الله وليس مقابل العمل لأن العمل لا يساوي نعمة واحدة من نعم الله، وإذا كنتم عاجزين عن إحصائها فأنتم عن شكرها أعجز.
قال رسول الله: وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي ولا بكم ! فالإنسان تحت ألطاف الله عز وجل، فمجرد أن تتجمد نقطة دم بدماغه يموت، أو يشل أو يجن حسب مكان الإصابة، أو يفقد السمع، أو البصر.
كيف تنال الرحمة؟
زهرة الرحمة تأتي من خلال تسبيح الله عز وجل وكثرة الصلاة والخشوع، والمؤمن كله رحمة للناس، وكله خير وسلام ويبث الطمأنينة في نفوس الناس.
بعد وفاة سيدنا أبي بكر الصديق سأل سيدنا عمر زوجة سيدنا الصديق أسماء بنت عميس سألها: كيف كان أبو بكر يعبد ربه حين يخلو لنفسه ؟ فقالت: كان إذا جاء وقت السحر قام فتوضأ فصلى، ثم يظل يصلي ويتلو القرآن ويبكي ويسجد ويبكي ويدعو ويبكي وكنت آن إذٍ أشم في البيت رائحة كبد تشوى ! أي تحترق كبده خشوعاً لله عز وجل ! أهكذا تحب الله أنت ؟ والله لا يوجد إنسان يجب أن تحبه كما يجب أن تحب الله عز وجل.
قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾(سورة البقرة).
قال: فبكي عمر وقال: أما آن لابن الخطاب مثل هذا ؟.