وردت نصوص شريفة في بيان أثر العين والحسد وبهذا كانت النصوص تدعو لعدم البوح والتحدث بنعم الله عليكم حتى لا تحسدوا ومن هذا دعوته صلى الله عليه وسلم للكتمان حال قضاء حوائجكم ومن هذا حديث: "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود"، هذا الحديث رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية، وابن عدي في الكامل، والعقيلي في الضعفاء، ولفظه : "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود".
صحة الحديث:
وقد تكلم العلماء في صحة هذا الحديث وأكثرهم على تضعيفه غير أن تصحيح الألباني لحديث لفظه "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" ، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/436)، حديث رقم (1453)، وفي صحيح الجامع برقم (943)، وقال : فالحديث بهذا الإسناد جيد عندي.
متى يكون الكتمان؟
وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف فهو يحمل معنى جيدًا وهو عدم التحدث أمام من ترى أنه لا يحب لك الخير بل عليك التستر والكتمان أمام هذا الصنف من الناس مخافة أن يضروك بأعينهم ويحسدون نعمة الله عليكم وهذا واقع نلمسه في حياتنا جميعا من أثر الحسد فكثيرون بدأوا أشياء وانتهت بالفشل وحصل لهم أشياء غريبة نتيجة أنهم تحدثوا مع غيرهم في هذه النعم التي أكرمهم الله تعالى بها؛ فمن رزقه الله بشيء جديد ولكنه لم يتم بعد مثل السفر والزواج والعمل فربما نفوس الآخرين تتحرك نحوه فيحقدوا عليه أو يحسدوه فلا يقول إلا عندما يتحقق، والدليل على ذلك عندما قال سيدنا يعقوب لسيدنا يوسف عليه السلام {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
التحدث بنعمة الله عليك:
وهذا يدل على أن منع التحدث يكون قبل التحصل على النعمة، أما الآية القرآنية:" واما بنعمة ربك فحدث " فقيل هي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المقصود من التحديث بالنعمة هو القيام بشكرها ، وإظهار آثارها، فإذا أنعم الله عليه بالمال شكر الله تعالى على هذه النعمة، وأكثر من التصدق والكرم والجود، حتى يقصده الفقراء والمحتاجون كان هذا هو المقصود بالتحديث بالنعم ، وليس المراد تعديد ثروته، وإخبار الناس بما عنده، فإن هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا هو ـ أيضا ـ من فعل ذوي الحزم والهيئات .
قال القاسمي رحمه الله :"(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أي : بشكرها وإظهار آثارها، فيرغب فيما لديه منها، ويحرص على أن يصدر المحاويج عنها. وهذا هو سر الأمر بالتحدث بها، وفي الآية تنبيه على أدب عظيم ، وهو التصدي للتحدث بالنعمة وإشهارها، حرصا على التفضل والجود والتخلق بالكرم، وفرارا من رذيلة الشح الذي رائده كتم النعمة والتمسكن والشكوى.