يحذر على أن يتهاون في الإتيان بالمعاصي أيًا كانت لاسيما الكبائر.. ومن الذنوب التي حذر الإسلام من الوقوع فيها ذنوب الخلوات.
وذنوب الخلوات هي المعاصي التي يرتكبها المرء في حال خفية عن الناس حتى لا يراه أحد يرتكبها في غيبته عن الناس حال اختلائه بنفسه، وقد لفت إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه وبين خطرها في قوله صلى الله عليه وسلم: (لأعلَمَنَّ أقواماً من أمَّتي يأتون يومَ القيامةِ بأعمالٍ أمثالِ جبالِ تِهامةَ بيضاءَ؛ فيجعلُها هباءً منثوراً، قال ثوبانُ: يا رسولَ اللهِ، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا لا نكونُ منهم ونحن لا نعلمُ، قال: أما إنَّهم إخوانُكم ومن جِلدتِكم، ويأخذون من اللَّيلِ كما تأخذون، ولكنَّهم قومٌ إذا خلَوْا بمحارمِ اللهِ انتهكوها).
حديث النفس هل من ذنوب الخلوات:
وإذا كان العلماء قد تحدثوا عن خطر ذنوب الخلوات فإنهم تناولوا أيضا ما يسمى بحديث النفس والخواطر السيئة فإنهم بينوا علاقة حديث النفس بذنوب الخلوات وقالوا إنه لا يدخل بها حديث النّفس الذي يطرأ أحياناً على خاطر الإنسان، ولكن إذا استرسل بها، أو استجلبها فإنّها تُعدّ من ذنوب الخلوات القلبيّة، ولا تدخلُ بها كذلك صغائر الذنوب التي لا يسلم منها أحد من العباد، دون استرسال بارتكابها، لتخيلات الجنسية نوع من الخواطر وحديث النفس الذي يطرأ على ذهن الإنسان ، وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه : فمعفو عنه باتفاق العلماء.
من هنا يتبين أن التخيلات العارضة معفو عنها ، ولكن على العبد مدافعتها وعدم الاسترسال معها ، وعلى المسلم ألا يتجاوز في التفكير حيث لا يجوز للمسلم أن يستدعي تلك الخواطر ويمعن التفكير فيها ، ولا يجوز له أيضا أن يسترسل خلف الخواطر متى عرضت له ؛ فإن ذلك سوف يجره إلى الحرام.
كيف أتوب من ذنوب الخلوات:
والتوبة من كل الذنوب مطلوبة بل ويلزم المسارعة فيها قبل أن يتصل الروح الحلقوم ومهما عظمت الذنوب ففضل الله أعظم وباب الرحمة مفتوح :(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/ 53، وقال تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا"، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا).
ومعلوم لدى الجميع أن الله تعالى لا تنفعه توبة التائب وبالإجمال لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية لكنه تعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن وإقباله عليه وقد جاء هذت في حديث والله تعالى يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه، كما جاء في الحديث عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ).
وسائل التخلص من ذنوب الخلوات:
من جهتها، بينت الأمانة العلمية لسؤال وجواب وسائل معينة على التخلص من الذنوب عامة وذنوب الخلوات خاصة من هذه الوسائل ما يلي:
1- الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء , والتضرع إليه ، أن يصرف عنه الذنوب والمعاصي ، قال تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
2- مجاهدة النفس، ودفع وسوستها، ومحاولة تزكيتها بطاعة الله، قال تعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
3- تأمل الوعيد الشديد الوارد في حديث ثَوْبَانَ السابق ذِكره ، وخشية انطباقه على فاعل تلك الذنوب في خلواته .
4- استشعار مراقبة الله تعالى ، وأنه رقيب ، ومطلع على المسلم في كل حال.
5- أن يتخيل المسلم من يجلهم ، ويحترمهم ، ينظرون إليه وهو يفعل ذلك الذنب !
ويستشعر استحياءه من الله أكثر من استحيائه من الخلق , وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (واستحي من الله استحياءك رجلاً مِنْ أهلكَ).
6- تذكر الموت لو أنه جاءه وهو في حال فعل المعصية ، وارتكاب الذنب , فكيف يقابل ربه وهو في تلك الحال ؟! .
7- تذكر ما أعده الله لعباده الصالحين من جنة عرضها السموات والأرض , والتفكر في عذاب الله تعالى ، قال تعالى : (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).