المسلم مطالب في كل أمور حياته أن يأخذ بالأسباب الدنيوية والمادية ثم يتوكل على الله، وعليه أن يحقق التوازن بين الأمرين، فلا يطغى التصور المادي على الإيمان واليقين والتوكل على الله وأن الأمر بيديه وحده عز وجل.
ولهذا فالمسلم يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، وهو في ذلك يستشعر معنى اسم الله " القابض " الذي يحتوي على معنى التوحيد ، بعمق شديد ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول : " اللهم لك الحمد كله ، اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ، ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ، ولا مقرب لما بعدت ولا مباعد لما قربت ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما أعطيتني ، ومن شر ما باعدت عني " [أخرجه أبو داود الطيالسي عن أُبيّ بن كعب .
أحياناً يمنع عنك ، فالمنع عطاء ، وأحياناً يعطيك ، والعطاء بلاء ، لذلك ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، أحياناً يعطي الإنسان من الدنيا فتبعد عنه رحمة الله ، وأحياناً يمنع إنساناً من الدنيا فتأتيه رحمة الله .
" وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [البقرة:216.
أحياناً تأتي الدنيا من كل أبوابها ، هذه الدنيا تغر ، وتضر ، وتمر ، وتكون حجاباً كثيفاً بين العبد وربه ، وأحياناً تأتي الضغوط ، تأتي المشكلات ، يأتي التضييق ، تأتي الشدة ، فيكون هذا باعثاً إلى أبواب الله ، باعثاً إلى عبادة الله ، باعثاً إلى الصلح مع الله ، فالمؤمن يستسلم للقضاء والقدر ، والقضاء والقدر نظام التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، يستسلم بعد أن يأخذ بكل الأسباب ، فإذا أخذ بكل الأسباب ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، أخذ بكل الأسباب ووصلوا إليه ، إلى غار ثور ، فلما وصلوا إليه استسلم ، وقال : " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " [البخاري ومسلم، بحسب "الكلم الطيب" .
يعني خذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء .
"ولكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه"[الطبراني] .
" فلا تَقُل:لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا ولكن قل: قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل فإن ' لو ' تفتحُ عَمَلَ الشيطان " [مسلم .
إذاً : " لا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت ، ولا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما بعدت ولا مباعد لما قربت ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما أعطيتني " [أخرجه أبو داود الطيالسي عن أُبيّ بن كعب] .
قد يعطي الدنيا فتبتعد عنا رحمة الله ، وشر ما منعت عنا ، وقد يمنعنا من الدنيا وقد نقع في اليأس ، وسوء الظن بالله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول : " اللَّهمَّ إِني أَسألك فعلَ الخيراتِ ، وترك المنكراتِ ، وحُبَّ المساكين ، وإذا أردت بقومٍ فِتنَة فَاقبِضْني إليك غير مفتون " [الترمذي عن ابن عباس مرفوعاً] .
فأنت كمؤمن تؤمن بالقابض والباسط ، لا تحقد على من حرمك ، ولا تشكر من أعطاك ، المعطي هو الله عز وجل ، والذي منعك هو الله ، ولكن الله أمرك إذا ساق لك خيراً على يد إنسان أن تشكر الله أولاً ، ومن الأدب الذي ألزمك به النبي أن تشكر هذا الإنسان ، فأنت حينما تشكر إنساناً لأن النبي أمرك بذلك ، أما الذي أعطى حقيقة هو الله ، المعطي الأول هو الله ، وألهم هذا أن يعطيك ، فأنت في الحقيقة يمتلئ قلبك امتناناً لله عز وجل ، الذي أعطاك على يد فلان ، تشكره كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، هذا هو الأدب ، هناك أشخاص عندهم غلظة وفظاظة ، أنا لا أحد له فضل عليّ ، الله أمرك أن تكون شكوراً للناس ، هذا بينك وبين الله ، يا رب أنت المعطي ، الفضل لك ، أنا لولا عطاؤك ما كنت شيئاً .
أما أمام إنسان ساهم بحل مشكلتك ، قل له أنا أشكرك لا أنسى لك هذا الفضل ، التوحيد لا يتناقض مع الأدب مع الناس .
لذلك المؤمن لا يحمد أحداً على ما أعطاه الله ، ولا يذمه على ما منع الله ، ولكن الأدب أشكر من ساق الله الخير على يديه ، وأن تذم من بخل لأن الله عز وجل قال : " الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [الحديد:24] .
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةاقرأ أيضا:
تتبع خطوات الشيطان بمواقع التواصل حتى الوقوع في فاحشة الزنا.. كيف تتجنبه وتتوب منه؟