هل يجوز إجبار ابنتي على الحجاب وقطع المصروف عنها؟ (الإفتاء تجيب)
بقلم |
عاصم إسماعيل |
الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 04:02 م
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصري، يقول: "هل للأب إجبار بنته على الحجاب ومنع النفقة عنها إن لم تفعل؟".
وأجابت دار الإفتاء بأنه "للأب على بنته الولاية الشرعية، وله شرعًا أن يأمرها بالحجاب من غير قهر أو عنف، بل باستخدام أساليب التربية الإسلامية".
مع ذلك، أكدت أنه "لا علاقة بين لبس الحجاب وبين وجوب النفقة؛ فالنفقة واجبة على الأب؛ سواء أكانت بنته محجبة أم غير محجبة، ومن رحمة الإسلام أنه لم يجعل التقصير في أداء فرائض الشرع مستوجبًا لسقوط النفقة، بل هي واجبة عليه في هذه الحالة أيضًا".
الطرحة أم الخمار.. ما الشكل الصحيح للحجاب الشرعي؟
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية تقول صاحبته: "ما الحجاب الشرعي هل هو الطرحة فى عصرنا الحالي أم الخمار؟".
وأجاب الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية قائلاً:
الحجاب الشرعي هو ما تستر به المرأة رأسها، سواء ارتدت إيشارب، أو خمار، أو طرحة قصيرة قليلاً، المهم أن يكون اللبس فضفاضًا، وأن تغطي شعر رأسها، فهذا هو الحجاب بدون أى مشقة أو تعنت، لكن البعض النساء تستثقل هذا، لكن الأمر أبسط مما يكون، وشرع الله سهل ميسور على كل إنسان.
التشكيك في فريضة الحجاب.. ماذا قالت الإفتاء؟
ردت دار الإفتاء المصرية على تشكيك البعض بين الحين والآخر بشأن فرضية الحجاب، وقالت إنه بإجماع فقهاء المسلمين، فإن الحجاب فرضٌ على المرأة المسلمة إذا بلغت سن التكليف، وهي السن التي ترى فيها الأنثى الحيضَ وتبلغ فيه مبلغ النساء، وهو ما يكون ساترًا جميع جسدها ما عدا وجهها وكفيها، وزاد بعض العلماء قدميها وبعض ذراعيها.
وأضافت ردًا على هذه الأباطيل بأن القول بجواز إظهار شيء غير ذلك من جسدها لغير ضرورة أو حاجة تُنَزَّل منزلتَها هو كلام مخالف لِمَا عُلِم بالضرورة من دين المسلمين، وهو قولٌ مبتدَعٌ منحرف لم يُسبَقْ صاحبُه إليه، ولا يجوز نسبة هذا القول الباطل للإسلام بحال من الأحوال، فصار حكم فرضية الحجاب بهذا المعنى من المعلوم من الدين بالضرورة.
ونفى الأزهر الشريف وجامعته العريقة ما تردد في بعض وسائل الإعلام عن اعتماد كلية الشريعة فرع دمنهور رسالة دكتوراه تؤكد عدم فرضية الحجاب في الإسلام، وبيَّن أن هذا كله من الكذب الصُّرَاح، وافتراء غير مقبول على الأزهر الشريف؛ لكونه مخالفًا لما عليه الواقع الفعليُّ، فالأزهر الشريف هو منارة العلم والدين عبر التاريخ الإسلامي.
أما عن التزام المسلمات بالحجاب أثناء وجودهن في دُوَلٍ أخرى لها ثقافات وأعراف تختلف عن الثقافات الإسلامية فهو كالتزامها بصلاتها وصيامها وتعظيمها لشعائر دينها واعتزازها بها، وإنما تتأتى الرخصة التي تبيح للمرأة المسلمة خلع حجابها أو شيء منه عند وجود الضرورة أو الحاجة التي تُنَزَّل منزِلَتَها، فلا تكشف من حجابها في كل ذلك إلا بقدر ما يندفع به الضرر، وتَسْتَدُّ به الحاجة، فإن زال الضرر واندفعت الحاجة عادت لحجابها والتزمت فريضتها وأطاعت ربها.
هل يجوز ضرب الزوجة عند رفضها ارتداء الحجاب؟
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول: "ما هي حدود مسؤولية الزوج عن حجاب زوجته؟ وإذا كانت الزوجة ترفض لبس الحجاب فهل يجب على الزوج ضربها أو تعنيفها لإجبارها عليه، وهل يقع عليه إثم عدم حجابها؟".
وأجاب الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الديار المصرية قائلاً:
الحجاب فريضة على كل امرأة مسلمة عاقلة، ويتحقق بأن تلبس ما يستر كلَّ جسمها ما عدا وجهَها وكفيها؛ أيًّا ما كانت هذه الملابس؛ بحيث لا تصف ولا تكشف ولا تشف؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31].
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وأشار إلى وجهه وَكَفَّيْهِ. أخرجه أبو داود في "سننه"، والطبراني في "مسند الشاميين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الآداب" و"شعب الإيمان".
وأضاف المفتي في رده: "فإن لم تكن الزوجة ترتدي الحجاب الشرعي فإن مسؤولية الأمر به والحث عليه داخلة في نطاق مسؤولية زوجها عنها في رعاية مصالحها الدينية، ويجب عليه حينئذ أمرُها به، أمرَ إرشادٍ وترغيب، لا أمرَ إجبارٍ وترهيب.
فعن دِحية الكلبي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَأْمُرِ امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لَا يَصِفُهَا» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود في "السنن".
وتابع: "فإن قام الزوج بمسؤوليته في نصح زوجته وحثها على الحجاب، ولكنها مع ذلك لم تتحجب، فعليه أن يصبر عليها مع المداومة على النصح والترغيب؛ إذ نص الشرع على وجوب أمر الأهل بالصلاة والصبر عليهم في أدائها وإقامتها، مع كون الصلاة عماد الدين وأول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة، فلأن يصبر الزوج على امرأته في الالتزام بفريضة الحجاب من باب أولى". قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132].
مسؤولية الزوج
ومضى المفتي قائلاً: "فمسؤولية الزوج عن زوجته في القيام بحقوق الله تعالى مسؤولية دفع وتذكير ونصح وترغيب واتخاذ كافة الوسائل الممكنة المعينة لها على طاعة الله تعالى، فإن كانت الزوجة ممن يمتثل بالتلطف وجب عليه التلطف معها، وإن كانت ممن يمتثل بالزجر اتخذه وسيلة لذلك بشرط ألا يصل زجره لها إلى الإيذاء النفسي أو البدني".
وأوضح: "وقد نص الشرع الشريف على أن الأصل في الدعوة إلى الله تعالى أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا كان ذلك لعموم الناس أو لأصحاب العداوات من المعارضين للحق؛ فلأن يكون بين الزوج وزوجته أولى.
وقال إن "الإيذاء النفسي بحرمان الزوجة من حقوقها الأساسية كالنفقة، أو البدني كالتعدي بالضرب عليها؛ لأجل أن تتحجب: ليس من الحكمة في شيء، بل ربما أدى إلى نقيض المراد منه، وهو النفور مما كان سببًا لتعرضها للإيذاء النفسي أو البدني، كما جبل على ذلك البشر".
وبين أنه "قد نص الفقهاء على أنه ليس للزوج إيذاء زوجته بالضرب لإجبارها على الإتيان بحقوق الله تعالى، وإنه إنما يكتفي في ذلك بالوعظ والإرشاد، فإن لم يُفِدْ: جاز له زجرها بما لا يؤذيها إن غلب على ظنه إفادةُ ذلك؛ لأن منفعة قيامها بحقوق الله تعالى تعود إليها لا إليه".
ارتداء الحجاب
واستطرد المفتي ناصحًا: "فعلى الزوج أن يديم النصح لزوجته في كل ما فيه طاعة ربها، ومن ذلك: فريضة الحجاب؛ بأن تستر جسمها ما عدا وجهها وكفيها، ولكن لا علاقة لذلك بإنفاقه عليها ما دامت غير ناشر؛ فالمعصية لا تمنع النفقة، كما أن عدم لبسها الحجاب ليس مبررًا له أن يمنعها من ممارسة حياتها، إلّا إذا علم انحرافها فعليه حينئذٍ أن يمنعها بسلطته من الانحراف قدر ما يستطيع".
وأكمل: "فإذا قام الزوج بمسؤوليته في النصح والترغيب، مع المداومة على ذلك، فقد قام بما أمره الله تعالى به، ولا يأثم حينئذٍ عن معصية زوجته بتركها الحجاب، بل يقع إثم ذلك عليها وحدها؛ إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يأثم المسلم على معصية أهله إن نهاهم عنها فلم ينتهوا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].".
وخلص إلى القول: "بناء على ذلك: فإن الزوج كما هو مسؤول عن رعاية مصالح أهله الدنيوية مسؤول عن رعاية مصالحهم الدينية؛ وذلك بأمرهم بطاعة الله تعالى ونهيهم عن معصيته؛ بالموعظة الحسنة والإرشاد وتوفير السبل لهم لتحقيق ذلك، والحجاب حق من حقوق الله يجب على كل امرأة مسلمة القيام به، فإن لم تفعل وجب على زوجها أن يأمرها به ويتلطف معها بالنصح ويذكرها بفرضيته ويحثها عليه، ويداوم على ذلك، ولا يجوز إيذاؤها نفسيًّا ولا بدنيًّا لإجبارها على الحجاب؛ إذ لم يأمر الله أحدًا أن يجبر الناس على طاعته، بل أمر بالأمر بها على جهة التذكير والحث، فإن قام الزوج بذلك فلا إثم عليه في تركها الحجاب".