ليس معنى أنك سكت حين أسيء إليك أنك ضعيف بل بذلك أنت قوي، ففي الحديث "ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ".
حق اللسان على صاحبه:
فاللسان جارحة ونعمة من نعم الله تعالى على الإنسان وحقه أن يستغل في طاعة الله ولا يقول به صاحبه إلا خيرا ففي الحديث أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ".
الصمت نجاة:
فالصمت نجاة لصاحبه من كلام سيئ يصدر عنه يورطه ويجلب له المصائب والسيئات؛ ففي الحديث: "من صمت نجا"، وروي عن النبي – صلى الله عليه وسلم- بسند فيه ضعف أنه قال: "رحم الله من قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم".
ويقول الشاعر:
الصمت زينة والسكوت سلامة... فإذا تكلمت فلا تكن مكثارًا
فلئن ندمت على سكوتي مرة ...فلقد ندمت على الـكلام مرارًا
ومن المعلوم أن ربما كلمة واحدة تحل ألف قضية معقدة ولهذا أرشدنا النبي الكريم بحسن الخلق فالفكرة ليست في بذل المال لتأليف القلوب بل إن كلمة طيبة ومعاملة حسنة تكفيك قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"، ويقول تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:263].
فضائل الصمت:
والصمت له فضل كبير بل ربما يفوق فضل الكلام فهو لمخلص من كثير من الأمور ولهذا جاء في سير العلماء والنبلاء انهم يكثرون من الصمت بل ربما تعد كلماتهم، قال بعضهم: "إذا جالست الجهال فأنصت لهم، وإذا جالست العلماء فأنصت لهم؛ فإن في إنصاتك للجهال زيادة في الحلم، وفي إنصاتك للعلماء زيادة في العلم"، وقد قيل: "لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد الكلام رجع إلى قلبه؛ فإن كان له تكلم، وإن كان عليه أمسك، وقلب الجاهل من وراء لسانه، يتكلم بكل ما عرض له".
يقول -سبحانه-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:1-3].
ووصية الرسول لمن سأل النجاة انحصرت في حسن استخدام اللسان إما بالكلم الطيب أو الصمت فقد سأل عقبة بن عامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك".
حسن القول دليل صلاحك:
واللسان هو إمارة من أمارات الصلاح والاستقامة بل هو كالدليل على إيمان العبد واستقامته يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"، ولهذا فإن الجوارح كلها تدعو اللسان لحسن الكلم فهي مرهونة به؛ فقد جاء في الحديث: "إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللَّسانَ فتقولُ: اتَّقِ اللهَ فينا، فإنَّما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا".
فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ائذَنوا له، بئسَ أخو العشيرةِ" فلما دخل ؛ ألانَ له الكلامَ فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! قلتَ الذي قلتَ، ثم ألَنتَ الكلامَ ؟ قال : "أي عائشةُ ! إنَّ شرَّ الناسِ من تركه الناسُ أو ودَعَه الناس اتِّقاءَ فُحشِه" ، و في طريقِ أخرى : "إنَّ اللهَ لا يحبُّ الفاحشَ المتَفَحِّشَ".