"وأفوض أمري إلى الله".. أسرار ومنح لا يعلمها إلا هؤلاء
بقلم |
أنس محمد |
الاربعاء 21 فبراير 2024 - 05:54 ص
لا ييأس المؤمن من رحمة الله وفرجه مهما ضاقت عليه السبل وتقطعت به الأسباب، وقد وجد يعقوب عليه السلام حينما لجأ إلى الله تعالى وفوض أمره إليه، بعدما ظل يوسف لسنوات طويلة بعيدا عن حضن أبيه بكيد إخوته له، وحينما فوض يعقوب الأمر لله تعالى وقال: "إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)»، فرج الله كربه وعثر على ابنه يوسف.
وحينما قال مرمن آل فرعون متوكلا على الله : ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44]، استجاب له ربه.. "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) (غافر:44-45)".
فالله سبحانه لا يقضي قضاء إلا كان خيراً، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبت من قضاء الله للمؤمن إن أمر المؤمن كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له. رواه مسلم وأحمد واللفظ له.
فالمؤمن هو الإنسان الواثق في نصر ربه، وهو من يفوض أمره إليه سبحانه، فيأخذ بالأسباب المشروعة في جلب الخير ودفع الضر، ويصير متوكلا على الله ، وإذا نزلت به حاجة أنزلها بالله سبحانه وفوض أمره إليه بصدق وتضرع وإخلاص فيرى من خفي لطفه ما لا يخطر على البال، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ {الطلاق:3}.
وتفويض الأمر إلى الله مِن أسباب حفظ العبد ووقايته مِن السوء والشرِّ، كما أخبر -تعالى- عن إنجائه لمؤمن آل فرعون لما مكروا به وأرادوا السوء به، فلجأ إلى الله وفوَّض أمره إليه: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) (غافر:44-45).
لذلك كان مِن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أخذ مضجعه: (اللهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ) (متفق عليه).
فالتفويض بمعنى التوكل على الله، بل هو روحه وحقيقته، وهذا التفويض مِن العبد لربه يكون في كل أموره وشئونه وأحواله؛ فإن العبد لا يدري ما يكون فيه صلاح أمره أو فساده؛ لذلك كان مِن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أصبح وإذا أمسى: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ) .
والشكوى لله تعالى وتفويض الأمر إليه وحده، من تمام عبودية الإنسان، وصدق توكله على الله، وتأكيد لحاجته الدائمة له، كما أن لها بعض الفوائد وهي: غنى العبد عن سؤال الناس والتذلل لهم؛ فالله تعالى هو خالق الجميع، وهو مدبر أمورهم، ولا يستطيع أحد صرف شر أو منح خير دون إذن الله تعالى، وتَقرُّب العبد من ربه، وجعل صلة دائمة بينهما لشكره على النعم، و إجابة الدعوة وقضاء الحوائج؛ فقد أخبرنا الله تعالى بذلك في كتابه الكريم في قوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
والشكوى لغير الله حمق وجهالة، قال ابن القيم: "الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عَرَف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم، ورأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فاقتَه وضرورته، فقال: يا هذا، والله ما زدتَ على أن شكوتَ مَن يرحمك.
كما أن تفويض الأمر لله واجب فكل ما فى الكون يسير بقضاء الله، فإذا علم المؤمن ذلك فوض أمره لله ولم ييأس من رحمة ربه مهما ضاقت السبل وتقطعت الأسباب فإنه لا ييأس من رحمة ربه إلا الضالون.