الدنيا مزرعة الآخرة وهي وسيلة للعبادة فالرابح هو من يستثمر عمره ويجمع همه وشمله للآخرة فيها ويتزود فيها من الطاعة والخاسر هو من يضيع وقته سدى بلا فائدة ويتنافس على الدنيا ويفقه حبه للدنيا وبشهواتها ومناصبها.
همّ الدنيا وهمّ الآخرة:
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الطريقين الذين يتبعهما العباد في التعامل مع الدنيا قال فيما رواه أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ".
معنى همّ الآخرة:
وهو الآخرة معناه أن تصير الآخرة هي شغله الشاغل وغرضه الذي يسعى إليه فمن كانت الآخرة همه ونيته جعل الله غناه في قلبه، وأعظم ذلك يا عباد الله أن يرزقه القناعة فيكفيه هم الدنيا ولو بالقليل ويجعله قانعا مكتفيا، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم قنعني بما رزقتني". وكان يقول: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله بما آتاه".
وقد كان من دعاء النبي: "ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا".
من جعل الآخرة همّه أحبه الله:
ومن يجعل الآخرة همه يبصره الله بحقيقة الدنيا ويجعل في معيته ويتقرب منه ويحبه الله ويحبب فيه الناس كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ". ومن كرامته على الله تعالى لا يشتت خاطره في أمور الدنيا ومشاكلها وشواغلها الكثيرة.
ولا تنس نصيبك من الدنيا:
وليس معنى أن تجعل الآخرة همك أن توقف عجلة الإنتاج وتزهد وتترك الناس بل العمل عبادة فليس المقصود أنه يترك أمر الدنيا بالكلية؛ لأنه لابد له من الاشتغال بأمور الدنيا من سعي في طلب الرزق وقيام بأمر نفسه وزوجه وأولاده وغير ذلك من أمور الدنيا.. لكنه في غالب أموره يشتغل بالآخرة، ثم إن عليه أن يطلب الرزق بأدب وبما يشرع من وسائل لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيها الناس اتقو الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم". أي اطلبوا الرزق طلبا رفيقا من طريق حلال، ولا تبتغوا الرزق بالحرام.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس".