هناك عبادات جعل الله مكانها في القلب فقط، مثل توحيد الله عز وجل بصدق وإخلاص النية في التجارة مع الله خلال العبادات التي نفعلها كل يوم مثل الصلاة والزكاة والصيام وغيرها، وهي عبادات بين العبد وربه فقط لا يعلم مدى صدقها إلا الله، ومن بين هذه العبادات حب المسلمين وموالاتهم وتمني الخير لهم، ونصرتهم والوقوف في صفهم، والدعاء لهم وعداوة من حاربهم.
وهذه من الحقوق التي أوجبها الله –تعالى- عليهم، فعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليهوسلم -: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وأحمد.
وأوجب الشرع الشريف على المسلم نصرة المسلم فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ فقال: (تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره) رواه البخاري.
فالنصرة بمعناها الشامل تعني رفع الظلم، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- جاء ليخرج الناس من ظلمـات الظلم والجهـل إلى نور العدل والعلم… لهذا جعل النصرة للمسلم على كل حال سواءً كان ظالماً بالأخذ على يديه وإرجاعه إلى الحق، أو بمعاونته إذا كان مظلوماً وأخذ الحقوق له من غيره.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته).
و عن يعقوب بن عتبة أن أبا جهل اعترض لرسول الله بالصفا فآذاه، وكان حمزة صاحب قنص وصيد، وكان يومئذ في قنصه، فلما رجع قالت له امرأته- وكانت قد رأت ما صنع أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا عمارة لو رأيت ما صنع –تعني أبا جهل- بابن أخيك، فغضب حمزة ومضى كما هو قبل أن يدخل بيته، وهو معلق قوسه في عنقه حتى دخل المسجد، فوجد أبا جهل في مجلس من مجالس قريش، فلم يكلمه حتى علا رأسه بقوسه فشجه، فقام رجال من قريش إلى حمزة يمسكونه عنه، فقال حمزة: ديني دين محمد أشهد أن لا إله إلا الله، فو الله لا أنثني عن ذلك فامنعوني من ذلك إن كنتم صادقين، فلما أسلم حمزة -رضي الله عنه- عزَّ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون، وثبت لهم بعض أمرهم، وهابت قريش، وعلموا أن حمزة سيمنعـه).
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنبومن صور نصرة المسلم:
الدفاع عن المسلم إذا انتهك عرضه، أو ذكر بسوء في غيبته، فيقال لمن يذكره بالسوء: اتق الله واسكت عن قول الشر.
إذا ظلم مسلم في مال أو أرض أو غير ذلك وجبت مناصرته، والقيام معه حتى يأخذ حقه وافياً.
إذا كان المسلم ظالماً وجبت نصرته برده إلى الحق ومنعه من الظلم، ويتخذ بذلك أساليب منها: دعوته بالتي هي أحسن فإن لم يفق من ظلمه زجره وأنبه، فإن لم يفعل هجره حتى يترك ظلمـه ذلك.. وقد شرع هجر المسلم لغرض ديني حتى يتوب إلى الله..
الوقوف مع المسلم أيام الحاجات والمحن والنكبات كمن فاجأه مرض أو موت أو فقر أو مصيبة فإنه لا بد من تسليته وإدخال السرور عليه.
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].
ووى عمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» (أحمد وأبو داود).
ون جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ، عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ. فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إلى قوله: (إِلَى آخِرِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ)، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
فلسعي لقضاء حوائج المسلمين ونصرتهم أفضل من الاعتكاف في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال: -صلى الله عليه وسلم-: "ولئن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام» .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم «وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
عقوبة خذلان المسلم
خذلان المسلم وعدم نصرته سبب من أسباب عذاب القبر، فقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من أسباب عذاب القبر عدم نصرة المظلوم، حيث روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أُمر بعبدٍ من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه قال: علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره» .
والعقوبة تكون أشد إذا والى المسلم كافرًا ضد أخيه المسلم أنه سيحشر معهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 5].