لا يمكن لمسلم أن يقلل من قدر أحد من الصحابة أيا كان فكلهم أصحاب فضل ومكانة ونحن مأمورون بحبهم واتباعهم والتأسي بهم والدفاع عن سيرتهم.
فضل الصحابة:
وكان حاله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته يقبل أن يؤذى أو يلعن أو يشنع على من عصى في عصره. فعن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه؛ ما أكثر ما يؤتى به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فو الله ما علمت إلا إنه يحب الله ورسوله. رواه البخاري.
وعليه، فمن ثبتت له الصحبة يتعين حبه وحسن الظن به، وشعار المسلم في ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما الذي أجاب به مولاه كما قال ابن أبي ملكية : أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس فقال أوتر معاوية بركعة بعد العشاء، فقال : دعه فإنه قد صحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
توقير الصحابة:
الواجب على المسلم أن يحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجلهم ويترضى عنهم، وينزلهم المنزلة اللائقة بهم، ولا يجوز أن يحمله خطأ بعضهم على بغضه، فان المقرر عند أهل العلم أن البغض للمؤمن العاصي يكون بقدر معصيته، كما يجب حبه بقدر طاعته، والصحب لو حصلت منهم أخطاء فعلا فإنها مغمورة في بحار حسناتهم العظيمة. وهذا هو الذي سلكه الرسول -صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه-، حيث قال -صلى الله عليه وسلم- لعمر عند ما استأذن في قتل حاطب: أليس من أهل بدر ؟ فقال: لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة-أو: غفرت لكم.
فضل علي بن أبي طالب:
ولأن عليًا رضي الله عنه وقع في سيرته كلام كثير أغلبه تطرف فيه إما يمينا وإما يسارا غير فوجب التنويه بفضل ومكانته إذ يلزم على المسلم أن يحب عليًا رضي الله عنه وسائر الآل لأنهم من آل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى. {الشورى: 23}.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به - فحث على كتاب الله ورغب فيه- ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
وأخرج الإمام أحمد وغيره عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال يا بريدة: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليٌ مولاه. قال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين .
فضل عمر بن الخطاب:
ولا يمكن تجاهل فضل الصحابي الجليل عمر بن الخطاب؛ فحبه والإيمان بفضله والترضي عليه كل ذلك واجب وهو محل اتفاق بين الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان، ولا يكرهه إلا كافر أو منافق فهو أحد السابقين الأولين والحاضرين بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم فقال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. {الفتح:18}.
وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. {التوبة:100}.
وقد شهد بفضله وعلمه واستقامته على الطاعة وقوته في الحق النبي صلى الله عليه وسلم وخيار الصحابة ومنهم علي وابن مسعود وابن عباس، وفي مسلم أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: والذي نفسي بيده؛ ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك، وفي صحيح مسلم: أن عليا ترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.