هل هناك نعمة لولاها لزالت كل النعم.. نعم.. فما هي؟.. إنما هي نعمة الستر، والستر من نعم الله السابغة، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ».
إذ قال إن النعمة الظاهرة أي ما أحسن من خلقك، والنعمة الباطنة، أي ما ستره من سيء عملك، ويروى أنه قيل لذي النون رحمه الله: كيف أصبحت؟ قال: بين نعمتين عظيمتين لا أدري على أيتهما أشكر: أعلى جميل ما نشر، أم على قبيح ما ستر، والستر على العباد صفة الله والستير اسمه، وهو صيغة مبالغة على وزن فعيل، أي أنه شديد الستر على خلقه، ففي الحديث يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل حيي ستير، يحب الحياء والستر».
أجمل الأرزاق
وأهل الحكمة قالوا إن الستر إنما هو أجمل الأرزاق، ولعظيم الستر فقد أقر الإسلام بهذا الخلق الكريم، وحض وكافأ عليه، ففي الحديث الشريف يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «ومَن سَتَرَ مُسلمًا في الدُّنيا، ستره الله في الدُّنيا والآخرة»، ولأجل الستر شرع الإسلام حد القذف، حتى لا تكون الأعراض بعد ذلك مباحة.
ولأجل الستر أيضًا أمر الشرع الحنيف في إثبات حدّ الزنا بأربعة شهود، حمايةً للأعراض، وصونًا للمحارم، ولأجل الستر أيضًا توعد الله عز وجل، أهل السوء، الذين يحبون إشاعة الفاحشة، بالعذاب الأليم، قال تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ » (النور: 19)، ومن أجل الستر أيضًا نهى الإسلام عن التجسس على الآخرين، قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا » (الحجرات: 12).
اقرأ أيضا:
الفرق بين الكرم والسفه.. بطون المحتاجين أولىتتبع العورات
فإن كنت تحب نبيك الأكرم صلى الله عليه وسلم، فاتبع سنته، وإياك وفضح الناس، أو تتبع عوراتهم، فلقد ربّى المصطفى صلى الله عليه وسلم، أمته، فأحسن تأديبها وتربيتها يوم أن خطب بالناس، فقال: «يا معشر مَن آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتِهم، فإنَّه من يتبع عوراتِهم، يتبعِ الله عورته، ومن يتبعِ اللهُ عورتَه، يفضحه في بيته».
وعلى هذا المنهج والعفة تربى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فستروا عيوب الناس، فهذا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، يقول: «لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلاَّ ثوبي، لأحببتُ أن أستره به».