تصور للحظة أن الله تعالى لا يقبل توبة من عصى فتجتمع عليك ذنوبك التي تتضخم يوما بعد يوم بفعل الأيام وتماديك في الخطايا والذنوب بحكم أنك بشر تخطئ وتصيب.
تصو كيف يكون حالك لاشك أنك سوف يزداد تشاؤمك يوما بعد الآخر ولا تفكر في الخلاص؛ إذ لا خلاص أمامك فتظل ترتع في معاصيك ولا تفكر أبدًا في التخلص من الذنوب حيث لا سبيل لهذا أبدًا.
من هنا كانت التوبة بابا للرأفة واللطف الإلهي وفتح باب الأمل وعدم التشاؤم .. فالتوبة يهذا المعنى لا تفتح لك بابا فقط لتصحيح الأوضاع لكنها تفتح بابا لك للحياة بمعناها العام.. فالتوبة باب للرحمة: قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَي..)، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم. والهوام : هي الحشرات الضارة المؤذية.
ومن يتأمل معنى التوبة وفلسفتها يجدها تضع كل يوم على الطريق وتشعرك بالأمان وتدعوك لاغتنم الأوقات وتصحيح الأخطاء قبل فوات الأوان لأنها لا تقبل في أوقات معينة مثل حال الغرغرة واستشراف الموت.
لكن الله يفتح بابها في الحياة جميعا فلكل مخطئ مهما بلغت ذنوبه أن يطرق هذه الباب بشروطه في كل لحظة مهما بلغت ذنوبه فقد تاب من قتل مائة نفس فتاب الله عليه، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه..
شروط التوبة:
وبعد معرفة معنى التوبة وفلسفتها تجد الإشارة لمعرفة شروطها وهي كالآتي:
- الإقلاع عن الذنب.
- والندم على ما فات.
-العزم على عدم العود.
-رد المظالم المتعلقة بالغير.
معنى رد المظالم:
وكما سبق فإن الحقوق نوعان، حق لله تعالى وحق للعباد، فحق الله تعالى يسقط بالتوبة إلا في الأموال، كالزكوات، والكفارات، والنذور على الصحيح.
أما حقوق العباد فقد أضاف أهل العلم شرطاً رابعاً للتوبة وهو ردّ الحقوق إلى أهلها، وأن التوبة غير كافية لإسقاط حقٍ من حقوق العباد، بل لابدّ من ردّ المظالم إلى أهلها.
كيف أرد المظالم لأهلها؟
ورد المظالم والحقوق لأهله شرط أساسي في صحة التوبة ثالثاً وبذلك فإن وعدم قدرتك على إعادة الأموال فإنه ليس مسوِّغاً للتساهل في إرجاعها ؛ فعليك أن تجتهد في توفير المال وجمعه بطرق حلال كالهبة والعمل المشروع وغير ذلك، والله عز وجل سيعينك على ذلك إن علم منك الصدق؛ كما قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
نعم أداء الحقوق لأصحابها شرط او بإخبارهم صراحة إن لم يكن في ذلك حرج أو مفسدة راجحة، وإن كان ثمة حرج في المصارحة فيمكنك أن تؤديها إليهم بطرق لا يشعرون منها ما يوقعك وإياهم في الحرج ، فإن تعسرت الأمور ولا تستطيع إعادة الأموال لكثرتها وعدم قدرتك على إيفائها فاستسمح أصحابها ليتجاوزوا عن حقهم وتوكل عليه ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، فإن لم يمكنك ذلك أيضاً لكونك لا تعرفين أصحاب الأموال مثلاً فنرجو لك عفو الله وتجاوزه، يقول النووي رحمه الله: "إن كانت المعصية قد تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة، ويردّ أموال الناس إن بقيت، ويغرم بدلها إن لم تبق، أو يستحل المستحق فيبرئه، فإن مات سلّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره رفعه إلى قاض ترضى سيرته وديانته.
فإن تعذّر تصدّق به على الفقراء بنيّة الضمان له إن وجده. وإن كان معسراً نوى الضمان إذا قدر، فإن مات قبل القدرة فالمرجوّ من فضل الله تعالى المغفرة".