في أكثر من آية في القرآن الكريم، ترى الله عز وجل يسبق لفظ (الصديق) قبل لفظ (النبي)، فهل يفهم من هذا أن هذه الصفة أعلى وأكبر عند الله عز وجل من النبوة ذاتها؟.. قال تعالى: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا»، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا» (مريم 41).
كما قال عز وجل: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا » (مريم/54 )، ثم تراه يتلوها عقب النبيين مباشرة في الآية الدالة على أهل النعيم، إذ قال تعالى: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا» (الآية 69، سورة النساء).
الصديقون
وبالوقوف على هذه الآيات العظيمة، نجد أن معنى الصدّيق في هذه الآيات هو أنه كثير الصدق ودائم التصديق، وقد سُمي سيدنا أبوبكر رضي الله تعالى عنه بالصدّيق لأنه صدّق بالرسول صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي كذبت به قريش، وصدّق به قبل كل الناس.
والقول الثاني إن الصديقين مشتقة من العلو والرفعة، وقد وصف بها بعض الأنبياء كإبراهيم وإدريس ويوسف عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه، ومن ثم فإن الصديق مرتبة يمكن أن تكون للأنبياء، ويمكن أن ينالها أتباع الأنبياء، كأبي بكر الصدّيق وغيره من عظماء الصالحين.
قال تعالى: «مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ»، إذن المعني به مقصود به كل الأتقياء الأنقياء المتقين لله عز وجل، سواء من درجة الأنبياء أو من هم دونهم ولكن على درجة كبيرة من التصديق بالله عز وجل كالسيدة مريم عليها السلام، وأبي بكر رضي الله عنه مثلا.
اقرأ أيضا:
كيف تخلق في نفسك الرغبة في النجاح؟ نماذج محمدية تدلك على التفوقوصفك عند الله
والصدق هو الصفة التي تلازم المؤمن أمام الله، إذ يكتب عند الله صديقا، إذا التزم الصدق في كل أموره وأحواله، مهما كانت الظروف، يقينًا من أن أن الصدق هو المنجى والنجاة الوحيد.
وفي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذّاباً»، ومن ثم فإن الصديقون إذن كثيرون، وليس ثلاثة كما ورد في حديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عن ابن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصديقون ثلاثة: حبيب النجار، مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم».
فعندما يوقن العبد في الله، ويتحرى الصدق أينما كان، يكتب عند الله صديقًا، وهي مرتبة عالية لأنها من أهم سمات الأنبياء.