رتب النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين أفضل الأعمال في الدنيا التي تعينهم على استقامة أحوالهم، وإدخالهم الجنة، من أقصر الطرق، خلال حواره مع أبي ذر الغفاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي كان حريصا على أن يسأل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً عن أفضل الأعمال عند الله عز وجل وأولاها بالتقديم عند التساوي .
فيجيبه النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما سأل بكل سرور؛ فقد سأله يوماً عن أفضل الأعمال، فقال رسول الله صَلَّى اهَُّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ".
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ جندب بن جنادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ".
قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا".
قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: "تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ".
اظهار أخبار متعلقة
الإيمان بالله أصل الأصول
فالإيمان بالله فهو أصل الأصول، وهو كما قال صلى الله عليه وسلم: "بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعلَاهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ".
وربط النبي صلى الله عليه وسلم بين الإيمان وبين الجهاد في سبيل الله بشقيه الأصغر والأكبر، وخاصة الاكبر وهو جهاد النفس والمعصية، فلا يستخف الإنسان بالمعصية، فكان الجواب مطابقاً لحال السائل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فهو من أولئك الأعلام الذين يسعون جاهدين إلى تحصيل شعب الإيمان كلها: أعلاها وأدناها؛ ابتغاء رضوان الله عز وجل.
ويسأل أبو ذر مرة أخرى عن أحب الرقاب إلى الله وأولاها بالعتق؛ تقرباً إليه – فيقول رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا" أي: أحبها عندهم وأنفعها لديهم وأغلاها ثمناً عند شرائها وعند بيعها.
ولعل أبا ذر قد سأل عن أحب الرقاب إلى الله ليتقرب إليه بعتقها؛ ليكون ذلك العمل متميزاً عن أكثر أعمال الناس؛ إذ ليس عند أكثرهم رقاب يعتقونها.
اقرأ أيضا:
الإيثار.. إحساس بالآخرين وعطاء بلا حدودالإنفاق على الفقراء والمساكين
وفي هذا الزمن يكون بديل عتق الرقاب، هو الإنفاق في سبيل الله على الفقراء والمساكين، فمن أنفس الأعمال تحرير الرقاب والعمل على استغناء المسلمين وانتشالهم من الفقر والمسكنة، وقد كان أبو ذر يحرص كل الحرص على أن يحرر رقبته من النار بتحرير رقبة من الرق؛ لعلمه أن الجزاء من جنس العمل، فسأله عن أحب الرقاب إلى الله ليعتقها، فلما أخبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أحب الرقاب إلى الله أنفسهما وأكثرها ثمناً، صعب الأمر عليه؛ لشدة فقره يومئذ، فسأله عن شيء يكون أخف عليه من هذا مع أفضليته بالنسبة له، فقال له الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ".
أي تتعاون مع الصانع في إتمام صنعته وإتقانها على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه ويحبه الناس ويرضونه؛ فإن الصانع مطالب بإتقان الصنعة التي يتعيش منها، فمن أعانه عليها بأي نوع من أنواع المعونة المادية أو المعنوية، فإنه يكون أسهم بنصيب في جودتها وفي زيادة دخله منها وانتفاع الناس بها.
ويكون بذلك قد أطاع الله عز وجل في قوله: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (سورة المائدة:2).
فقال أبو ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ".
وهذا الجواب آية في الحسن؛ لأن كف الشر عن الغير من أهم مقاصد الإسلام؛ فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، كما قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.