من ثوابت الإسلام التي مجال لإنكارها الحشر، هذا الحدث العظيم الهائل الذي يجمع الله فيه كل الحياء من كل حدب وصوب من لدن خلق الله الخلق على قيام الساعة.
ولأن لخطر وهول هذا الحدث "الحشر" حذر الله منه ودعا لحسن الاستعداد له، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(البقرة:203). قال ابن كثير: "أي: تجتمعون يوم القيامة، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(المؤمنون:79)".
صفات الناس يوم الحشر:
ويحشر اناس على هيئة معينة يوم القيامة بعد النفخ في الصور فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ على المِنْبَرِ، يقول: إنكم مُلَاقُو اللَّه حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا) رواه البخاري. وفي رواية أخرى: (تُحْشَرُونَ حُفَاةً (لا نعال ولا خفاف)، عُرَاةً (ليس عليهم كسوة، بادية أبشارهم)، غُرْلًا (غير مختونين)، ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}(الأنبياء:104)). قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}: "يعني: هذا كائن لا محالة، يوم يعيد الله الخلائق خلقا جديدا، كما بدأهم هو القادر على إعادتهم، وذلك واجب الوقوع، لأنه من جملة وعد الله الذي لا يخلف ولا يبدل، وهو القادر على ذلك. ولهذا قال: {إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}.. عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: (إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا، كما بدأنا أول خلق نعيده، وعدا علينا إنا كنا فاعلين)".
أحوال الناس يوم الحشر:
وتختلف أحوال الناس يوم القيمة عل حسب أعمالهم ومن أظهر مظاهر الاختلاف العرق الذي يتصبب نتيجة دنو الشمس من الروؤس فعن المِقْدَاد قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ: تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل، قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ الرَّاوي عَن المِقْدَاد: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْني بِالمِيلِ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ الميل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ؟ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يَكون إِلى حِقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلجامًا، قال: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّه ﷺ إِلى فِيه. رواه مسلم.
وينجو من هذا ويستظل بعرش الرحمن من كانت هذه صفاتهم التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ متفقٌ عَلَيْهِ.
صفات أرض المحشر:
كما أن أرض المحشر لها صفاتها جاء في ذلك عدة أحاديث منها ما جاء عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُحْشَرُ النَّاسُ يوم القيامة على أَرْضٍ بَيْضَاءَ، عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ. قال سهل أوْ غَيْرُه: ليسَ فيها مَعْلَمٌ لأحَدٍ) رواه البخاري. وفي رواية مسلم: (ليسَ فيها عَلَمٌ لأحَدٍ). (عَفْرَاء): ليس بياضها بالنَّاصع، أو تَضرِب إلى الحُمرة قليلًا، أو خالصة البياض أو شديدته، كَقُرْصَةِ خبزٍ نقيٍّ سالمٍ دقيقُه من الغشِّ والنُّخالة. قال الطيبي: "قوله: (كقرصة النقي) تشبيه بها في اللون والشكل دون القدْر، و(النقي): الدقيق المنخول المنظف". قال النووي: "(ليس فيها علم لأحد) هو بفتح العين واللام أي ليس بها علامة سُكْنَى أو بناء ولا أثر ". وقال ابن حجر: "وقال عياض: المراد أنها ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يهتدى بها في الطرقات".