يستعيذ المؤمن بالله عز وجل دائمًا من السلب بعد العطاء، فمنح النعمة ثم سلبها من الأشياء الموجعة في الحياة الدنيا، كما أنها من المنغصات لأصحابها، خاصة حينما تعرف قيمة النعمة، ولكن للأسف ربما يكون ذلك بعد زوالها من بين أيديك.
ومن أفضل ما ينعم الله به على العبد، هو نعمة حفظ القرآن الكريم، إلا أن آفة العلم داما هو النسيان، والقرآن الكريم كتاب الله العزيز، الذي إذا ما حافظت عليه، وعملت على الارjباط الدائم به، تفلت منك وهجرك كما هجرته، قال تعالى في سورة فصلت: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)".
نسيان القرآن يأتي من الإعراض
لذلك الإعراض عن تعاهد القرآن، وعدم الاعتناء بذلك، تهاون كبير، وتفريط شديد، بحقِّ كتاب الله تعالى، الذي أنزله الله عزّ وجل؛ ليقرأه النَّاس، ويتعاهدوه، ويعملوا وِفْقَ أحكامه، وفي هذا حكى الله تعالى شِكايةَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم لربِّه هجران قومه للقرآن، فقال سبحانه: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
وهجر القرآن هو تركه بالكلية، فلم يؤمنوا به، ولم يرفعوا إليه رأساً، ولم يتأثَّروا بوعيده، لذلك ينبغي على المؤمن أن يتمسك بآيات القرآن الكريم وحفظها والعمل بها وعدم هجران أحكامها وآياتها.
ولا يحدث نسيان القرآن الكريم، إلا بالإعراض عنه، والانشغال بغيره، فعن أبي العالية رحمه الله - أنَّه قال: «كنَّا نَعُدُّ من أعظم الذُّنوب، أن يتعلَّم الرَّجل القرآن ثمَّ ينام عنه، حتَّى ينساه».
وجاء عن ابن سيرين رحمه الله في الذي ينسى القرآن: «كانوا يكرهونه، ويقولون فيه قولاً شديداً».
أسباب النسيان:
ويحدث نسيان القرآن الكريم إما لانشغال صاحبه بأمرٍ دنيويٍّ ، سواء كان بحثا عن العمل والمال، أو انشغالا بمعصية، حتَّى يؤدِّيَ بصاحبه إلى إهمال مراجعة القرآن، وترك تلاوته، وهذا هو المذموم الذي ورد فيه الوعيد.
وليس المقصود (بالأمر الدُّنيوي) هو بذل الوقت في كسب قُوْتِه، فهذا مأمور به، ولكن المقصود هو الإفراط، واللُّهاث وراء الدُّنيا وشهواتها، والانشغال بالمعصية مثل السعي وراء النساء والجلوس في الطرقات، وحفظ الأغاني بدلا عن القرآن.
والسبب الثاني لنسيان القرآن، وهو الذي لا ينشأ عن تقصيرٍ وإهمال، وإنَّما هو ناتج عن ضعف الذَّاكرة، أو تقدُّم السنِّ، أو الانشغال بأمورٍ لا طاقة له في دفعها، ولا سيَّما إنْ كان نسيانه عن اشتغالٍ بأمرٍ دينيٍّ كالجهاد، أو بعض العلوم الدنيوية التي أمر الله بتحصيلها مثل الطب والعمارة وغيرها.
وهناك فرق بين السَّهو العارض والنِّسيان الدَّائم
فالنِّسيان الذي ينشأ عن التَّقصير وإهمال الحفظ، يختلف عن السهو العارض الذي هو غير مستبعد ولا مستغرب، ناهيك أنْ يكون مستنكراً، وقد قيل: الإنسان مَحَلُّ النِّسيان، وعليه يُحمل قول القائل: وما سُمِّي الإنسانُ إلاَّ لِنَسْيِهِ ولا القَلْبُ إلاَّ أنَّهُ يَتَقَلَّبُ.
هل نسي النبي؟
تعهد الله عز وجل بحفظ القرآن الكريم في صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان جبريل يراجع مع النبي مرتين في العام، وقال الله تعالى لإمام الحفَّاظِ وسيِّدِهم صلّى الله عليه وسلّم: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعلى: 6-7].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير الآية: "إلاَّ ما أراد الله أنْ ينسيكَهُ لِتَنْسَى، وقيل: لما جُبِلْتَ عليه من الطِّباع البشريَّة لكن سَتَذْكُره بعد".
ومعنى الآية: سنحفَظُ ما أوحيناه إليك من القرآن، ونُوعِيه قلبَك، فلا تنسى منه شيئاً، وهي بشارةٌ عظيمة من الله تعالى للنَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، أنَّ الله عزّ وجل سيعلِّمه عِلْماً لا ينساه، إلاَّ ما شاء الله ممَّا اقتضت حِكمتُه تعالى أن يُنْسيكَهُ لمصلحةٍ، وحِكمةٍ بالغة.
وعَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم رَجُلاً يَقْرَأُ في سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً، كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِن سُورَةِ كَذَا وَكَذَا».
ونسيان النبي صلّى الله عليه وسلّم لشيء من القرآن إما لطباعه البشرية في نسيانه الذي يتذكَّره عن قُرب، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم - في حديث ابن مسعودٍ، في السَّهو: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ».
وإما أنْ يكون النسيان بفعل من الله ليرفَعَه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعلى: 6-7].
فأمَّا القِسْمُ الأوَّل: فعَارِضٌ سريعُ الزَّوال؛ لِظَاهِرِ قولِه تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
وأمَّا الثَّاني: فداخِلٌ في قوله تعالى: ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ﴾ [البقرة: 106]».
اقرأ أيضا:
أدرك عمرك قبل فوات الأوان بهذه الطاعاتحكم نسيان القرآن:
قال العلماء إن نسيان القرآن، أو شيء منه - بعد حفظه - ذنبٌ عظيم، بل قال بعضهم إنه كبيرة من الكبائر، ومن هؤلاء: الرَّافعي، والنَّووي. وتبعهم في ذلك: السُّيوطي، وابن حجرٍ الهيتمي، والمُناوي.
قال ابن حجر - رحمه الله: «واختلف السَّلف في نسيان القرآن، فمنهم مَنْ جعل ذلك من الكبائر».
وقال السُّيوطي - رحمه الله: «نسيانه كبيرة، صرَّح به النَّووي في الرَّوضة وغيرها».
وقال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله: «عَدُّ نسيانِ القرآنِ كبيرةٌ، هو ما جرى عليه الرَّافعي وغيرُه».
والمراد بنسيان القرآن - الذي هو كبيرة من الكبائر: هو النَّاتج عن التَّشاغل بالدُّنيا، واللُّهاث وراء شهواتها، وترك تلاوة القرآن واستذكاره.
أسهل 10 طرق لحفظ القرآن الكريم:
1 - الإخلاص : وجوب إخلاص النية ، وإصلاح القصد ، وجعل القرآن والعناية به من أجل الله تعالى والفوز بجنته ، والحصول على مرضاته ، قال تعالى : ( فاعبد الله مخلصا له الدين . ألا لله الدين الخالص ).
2 - تصحيح النطق والقراءة : ولا يكون ذلك إلا بالسماع من قارئ مجيد أو حافظ متقن، فالقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي، فقد أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل شفاها . وأخذه الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم شفاها وسمعه منه وأخذه كذلك أجيال من الأمة .
3 - تحديد نسبة الحفظ في كل مرة : فيجب على مريد القرآن أن يحدد المراد حفظه في كل مرة وتكراره.
4 – عدم الانشغال عن المقرر اليومي لحفظ القرآن.
5 - حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك
6 – فهم القرآن طريق الحفظ
7 - لا ينبغي للحافظ أن ينتقل إلى سورة أخرى إلا بعد إتمام حفظ السورة التي قبلها جيدا.
8 - التسميع الدائم على نفسه وعلى الغير
9 – الاهتمام بمتابعة وقراءة القرآن كل يوم حتى لا يتفلت لأنه يختلف في الحفظ عن أي محفوظ آخر من شعر أو نثر ، لأن القرآن سريع الهروب من الذهن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها ) متفق عليه .
10 - العناية بالمتشابهات