المؤمن دائمًا ما يكشف عن شخصيته الطيبة ومعدنه الكريم باحترامه للناس، وسلوكياته معهم، وأكثر ما تحترم به نفسك وتحترم به الأخرين، هو احترامك للمواعيد، فالمؤمن إذا وعد صدق، والمنافق إذا وعد أخلف، لذلك لا تظن أنك قد تنال استحسان الناس مهما كان بك من موهبة أو خفة ظل أو منصب تقود الناس فيه، إذا كنت لا تحترم مواعيدك مع الناس، فالانتظار مغضبة كما يقولون، وليس أشق على النفس من أن تقف وتنتظر غيرها، ولا تجد احتراما لها.
ونبه القرآن الكريم على أهمية الوقت كثيًرا في سياقات متعددة، وبصيغمتعددة أيًضا، فيجيء مرة بصيغة الدهر، أو الحين، والآن، والأجل، واليوم،والأمد، والسرمد، والأبد، والخلد، العصر.
قال الله سبحانه وتعالى "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5يونس)".
وأقسم الله تعالى به "والعصر".
ومن الآداب الاجتماعية المؤثرة في المجتمع أدب الوفاء بالمواعيد، وعدم
التخلف عنها إلا بعذر قاهر صحيح مقبول، حتى يطمئن الناس بعضهم إلى
بعض، ويثق بعضهم بوعد البعض الآخر، والتزامه الذي التزمه والوعد المضروب الذي ارتضاه وقبله.
وأثنى الله على سيدنا إسماعيل بصدق الوعد، مما يدل على عظم تقدير هذه
الصفة؛ واحترام المواعيد من سمات صدق الوعد، لأن الموعد ما هو الا
وعد يقطعه المرء على نفسه، و عهد يلتزم به، ويجب عليه الوفاء به حتى لا
يندرج في قائمة المنافقين.
وجعل سبحانه الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا، وجعل عدة الشهور اثني عشر شهرًا، ثم حدد -سبحانه وتعالى- لنا مواعيد معه في كل يوم خمسة مواعيد: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) [النساء:102]، وموعدًا مع الله في عيد أسبوعي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الجمعة: 9]، وموعدًا سنويًا مع الله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...) [البقرة: 184]، وموعدًا مع الله مرة في العمر بحج بيته لمن استطاع إليه سبيلاً، وموعد كل إنسان للرحيل: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس: 49].
فمن حسن أخلاق العباد رهن باحترام الوقت والميعاد، وإن احترام المواعيد سمة مميزة للمسلم الملتزم، وإن احترام المواعيد من أهم عوامل النجاح في حياة البشر، وللمواعيد المضبوطة أهمية كبرى، وربما توقفت عليها حياة أشخاص ومستقبلهم.
فكيف لو أن الطبيب تخلف عن موعد مريضه؟! ولو أن الأستاذ تخلف عن موعد طلبته أو محاضرته؟! ولو أن سائق الناقلات تخلف عن موعد السفر؟! وتخلف قائد الطائرة عن موعد الرحلة؟! .
فاحترام المواعيد وعدم الإخلال بها -إلا بعذر قاهر- يُطمئن الناس بعضهم إلى بعض، ويربي الثقة في عهودهم والتزاماتهم، وقد مدح الله تعالى نبيًا كريمًا بالصدق في الوعد فقال -عز وجل-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) [مريم: 54]، وعلّق عليها الإمام القرطبي بقوله: "صدقُ الوعد من خُلق النبيين والمرسلين، وخلافه: من أخلاق الفاسقين والمنافقين…
وحثّ صلى الله عليه وسلم على الوفاء بالوعد، وجعل من يخلف الوعد متصفًا بإحدى صفات المنافق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف" رواه مسلم.
اقرأ أيضا:
بشريات كثيرة لمن مات له طفل صغير.. تعرف عليها