هل شعرت يومًا أنك إنسان صاحب قضية تميزك عن قطيع الحيوانات الذي تتهكم عليه؟ وتنظر له من غير رحمة ولا شفقة به؟، هل شعرت أنك مسلم صاحب قيمة حقيقية، وتفكير مختلف ومتميز عن باقي المسلمين الذين لا يعجبك تفكيرهم وتتهكم على ملابسهم وشعائرهم وربما عقيدتهم؟، هل شعرت أنك أفضل من أصحاب العقائد الأخرى، وأنك قمت بما أعطاه الله لك من خيرية ووسطية؟، هل أنت تقوم بوظيفتك تجاه خالقك وربك؟، هل تشعر أنك إنسان إيجابي صاحب قضية تدعو للخير وتنهى عن المنكر؟.
هل أنت صاحب قضية أم إنسان تافه؟
لتسأل نفسك سؤالاً آخر: هل شعرت أنك إنسانا تافها لا قيمة لك، هل فكرت ماذا أنت تفعل أكثر مما يفعله الحيوانات؟، قال تعالى: "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)".
هل تصورت أن هذه الحيوانات التي تتهكم عليها ربما تكون هي أفضل منك، لأنها تقوم بوظيفتها التي كلفها الله بها، فهي ترعى وتأكل وتسبح ربها، قال تعالى في سورة "ص": "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)".
في الوقت الذي تأكل فيه أنت وتشرب، ولكن ربما لا يلهج لسانك بذكر الله، وتعيش أضل من الحيوانات التي تتهكم عليها، حين لا تجد لنفسك قضية، أو تجد في نفسك ما يميزك عن غيرك، وتكون كل قضيتك في الحياة أن تأكل وتشرب وتتبول وتتكاثر، فوقتها ربما يكون الحيوان هو أكثر نفعا منك لأننا ربما نستفيد بلحومه وجلده وعظامه فيما ينفع الإنسان، أما أنت ستدفن في التراب دون فائدة.
ربما يكون الكلام قاسيًا عليك، ولكن حين تصارح نفسك بالحقيقة وتزن نفسك بميزان العدل، تجد أنك إنسان فارغ بلا قضية، بالرغم من أن الله فضل على كثير من عباده، فقد أنعم عليك بالإسلام والوسطية وأمرك بمحاسن الاخلاق والوسطية والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنك استغنيت عن هذا كله ولم ترض لنفسك بأن تكون متميزًا بين العباد.
كما فضلك الله على سائر المخلوقات بالعقل ونعمة البصيرة والتدبر والتفقه، ولكنك ارتضيت لنفسك أن تكون أضل من الحيوانات.
هل تتوقَّف لتُحاسب نفسَك؛ فترى نفسَك حيث تركْتَها آخر مرة؟ هل تسأل نفسَك هذه الأسئلة؟ قبل أن تقف موقفًا مَهيبًا وقد دَنتِ الشمسُ مِن الرؤوس، وفرَّ كلُّ امرئ مِن أخيه، وأمِّه وأبيه، وصاحبته وبَنِيه.
لقد جعلك اللهُ سميعًا بصيرًا، مُعافًى في بَدَنك وفي عقلك، عندك قُوتَ يومك، ثم تجد نفسك دون حرث أو غرس أو حصاد مما ينبغي لك أن تحصده من عمل صالح ينفعك في الدنيا والآخرة، بل تجد نفسك إنسانًا تابعًا، ما بين انحلال خُلُقي لشباب وبنات المسلمين، وتدَنٍّ في مستوى ثقافة المسلمين حتى صِرْنا مِن أكثرِ أممِ العالَم تخلُّفًا ثقافيًّا، وانشغالٌ عن قضايا الإسلام بقضايا الفرْد، والانخراط في طلَب لقمة العيش؛ حتى نسينا ما خُلِقنا لأَجْله.
أين وضعْتَ نفسَكَ لِتُخَلِّص المسلمين مِن هذا الهوان؟ إذا سألَكَ اللهُ: إني قد وضعْتُكَ على هذا الثَّغْر، فلماذا دَخَل منه أعداءُ الدِّين؟ لماذا هُدِم الإسلامُ مِن بابك؟.
ألا تعلم أن المسلمين بحاجة إليك في هذا الباب أو ذاك، وأنتَ تَعلم أنك تستطيع المساعدة؟ لماذا لم تساعدهم؟ ألم تعلم أن قُدراتك ومواهبَك تؤهِّلك لخدمة دِينك في هذا الباب؟ فلماذا لم تستخدمها؟ألم تعلم أن المسلمين غفَلوا عن حراسة هذا الباب، فدخل منه أعداءُ الدِّين، ووَلَغوا في مجتمعاتنا وثقافتنا وُلوغَ الكلاب في القُدور، بعدما استسهلْتَ الاستسلام للأمر الواقع.
فهل راقَتْكَ نعومةُ وِسادتك، وليونة فراشك؟ هل أعجبَتْك رغادَةُ العيش بعيدًا عن ضميرك ووظيفتك التي خلقت من أجلها، فهل سألت نفسك لماذا تحيا على هذه الأرض؟ هل حقَّقتَ مُراد ربِّك منكَ؟ هل حققتَ مُرادَ الله فيما استخلف فيكَ مِن قُدرات ومواهب؟ هل حققتَ مُراد الله في أولادك وفي بيتك وفي مجتمعك؟.
اقرأ أيضا:
سلم أمرك لله.. كل شيء يحدث في أرض الله بمقدور اللهفما هي قضية حياتك التي تحيا لها؟
عاش المسلمون الأوائلُ على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على قضية واحدة واضحة، عَلِموا أنها تحقِّق مُراد الله فيهم، عاشوا وماتوا لِدِينهم.
فمَن رأى منهم بابًا يستطيع أن يَحرسه قام بحراسته؛ فهذا يتعلَّم اللُّغات، وهذا يكتب، وهذا يجاهد، وهذا يُتاجر، وهذا يَبني، وهذا يزرع، وهذا يُنفق، وهذا يفعل الخير ويعلم الناس القراءة والكتابة، وهذا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
فهل تتقي الله في بيتك وفي أهلك وأولادك، وفي مجتمعك هل كنت عضْوًا نافعًا للآخَرِين، إذا حار أمرك بعد ان تسأل نفسك كل هذه الأسئلة، تذكر أن الله يعرض عليك صحيفتك يوم القيامة، فهل تحب ان تراها سوداء تتوارى منها خجلا بعدما امتلأت بذنوبك.
وتذكر قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162].