مر أكثر من نصف شهر رمضان، ومرت الأيام سريعًا، وكأن بداية الشهر كانت بالأمس من فرط سرعتها ودورانها، دون أن نشعر سنجد أن الأيام (انفلتت) يومًا وراء يوم، لنفاجئ بانتهاء الشهر كله، وحينها لن ينفع ندم، ولن يفيد (لو) وأشباهها من كلمات الضجر والندم، فليكن اليوم العاشر هذا هو (المحذر) الذي ينبهنا إلى أن الأيام تمر سريعًا، فنعود من انشغالاتنا مهما كانت، ونعطي هذا الشهر حقه، ففيه يلطف الله عز وجل بأمة محمد، إذ يغل فيه الشياطين ومردة الجن، حتى لا يقدروا على ما كانوا يقدرون عليه قبله، أو بعده، من تزيين الذنوب أمام العباد، فكيف بنا لا نستغل هذه الأيام (القصيرة جدًا) للخروج كيوم ولدتنا أمهاتنا؟.
انفراط رمضان
رمضان ينفرط من بين أيدينا ونحن لا ندري، فما أسرع أيامك يا شهر الصبام، تأتي على شوق ولهف، وتمضي على عجل، فيا شهر الصيام ترفق، ويا شهر القيام تمهل، لأن نفوس العابدين وقلوب الراكعين الساجدين تحن لك وتئن من مرور أيامك سريعًا، وسبحان الله كنا ندعو منذ أيام قليلة جدًا: "اللهم بلغنا رمضان"، ثم هنأ بعضنا بعضًا ببلوغ الشهر الفضيل، فكم كان رمضان ضيف سريع الارتحال أتانا على عجل ليحصد الحسنات ويذهب السيئات.
فقد نبهنا الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله تعالى: « أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ...»، وما دام الأمر كذلك، فالأحرى بالعبد أن يكون قد حقق الاستفادة القصوى من الأيام المباركة التي تعددت فيها أسباب المغفرة والعتق من النار، وألا يفوت لحظة واحدة في غير ما يفيد، فإما أن يكون على صلاة أو يقدم الصدقات، أو يخرج الزكاة، أو يتزاور مع أهله وجيرانه، أو يسبح، فإن التسبيح في رمضان من أكثر الأمور التي يحبها الله عز وجل.
اقرأ أيضا:
بشريات كثيرة لمن مات له طفل صغير.. تعرف عليهالحظات سريعة
بالفعل فإن اللحظات الجميلة في حياة الإنسان كم هي سريعة، وبالتالي علينا أن نقدم على الأفعال التي تحسب لنا لا علينا، ولعل أهمها، الإخلاص في النوايا، وخصوصًا في الصيام، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وتعالى وإعانته».
وقد أمرنا الله جل جلاله بإخلاص العمل له وحده دون سواه فقال تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ » (الآية البينة :5 )، فإذا علم الصائم أن الإخلاص في الصيام سبب لمعونة الله وتوفيقه هذا مما يحفز المؤمن لاستغلال رمضان في طاعة الرحمن سبحانه وتعالى.