البركة اصطلاحا بحسب عديد من الفقهاء وأهل العلم هي ثبوت الخير في الشيء. وتطلق على النماء والزيادة بعكس النقص والسعادة وهي اليمن. ويقربه معنى الفتوح وهو حصول الشيء من غير المتوقع منه والنعمة للمنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، ومعنى النصيب والحظ في الاصطلاح.
الإمام ابن القيم - رحمه الله -:تحدث كذلك عن البركة بالقول : " البركة حقيقتها الثبوت واللزوم والاستقرار، فمنه برك البعير: إذا استقر على الأرض، ومنه المبرك: لموضع البروك"، وقال صاحب الصحاح: " وكل شيء ثبت وأقام فقد برك، والبَرْك الإبل الكثيرة، والبِرْكة بكسر الباء كالحوض، والجمع البِرَك " ذكره الجوهري قال: يقال وسميت بذلك لإقامة الماء فيها، والبركاء: الثبات في الحرب والجد فيها.
ولم يختلف الأمر في قول ابن الأثير - رحمه الله - عند شرحه ما جاء في حديث الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- " بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ" أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة، وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه، وتُطلق البركة أيضاً على الزيادة، والأصل الأول.
ووعاد الإمام ابن القيم للتعليق علي البركة الواردة في النصف الثاني من التشهد - رحمه الله - " فهذا الدعاء يتضمن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم وإدامته وثبوته له، ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة"
ومن الثابت أن البركة تكمن في الأمكنة والأزمنة والأشخاص: وكما قيل: إن لله خواص في الأمكنة والأزمنة والأشخاص. فالله -عز وجل- قد يبارك في بعض الأمكنة، ويجعلها مباركة. فبارك سبحانه في المسجد الأقصى وما حوله فقال تعالى:"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ""1" سورة الإسراء،
ودخل الإمام الطبري علي خط تفسير البركة وتخصيصها في بعض الأزمنة والأماكن : "وقوله: "الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم. لأن البركة لا تفارقه جعلنا الله تعالى في بركاته ونفعنا بشريف آياته"8. وبارك سبحانه في أرض الشام، قال تعالى: "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ""71" سورة الأنبياء،
قال الألوسي: "والمراد بهذه الأرض أرض الشام، وقيل: أرض مكة، وقيل: مصر، والصحيح الأول، ووصفها بعموم البركة، لأن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا فيها، وانتشرت في العالم شرائعهم التي هي مبادىء الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية، ولم يقل: التي باركناها للمبالغة بجعلها محيطة بالبركة
ومن الملاحظ أن كلمة البركة التي غدت تتردد علي كل الألسنة صارت مفتقدة في هذا الزمن فلا بركة في الزمان ولا المكان ولا الوقت وهذا يعود إلي أن افتقاد المجتمعات التركيز علي مفاتيح البركة في الوقت والرزق والمكان وهي مفاتيح ثمانية بحسب اجتهادات عدد من جمهور العلماء والفقهاء
أول مفاتيح البركة الثمانية بحسب العديد من الفقهاء تتمثل في ضرورة الإكثار من تلاوة القرآن الكريم مصداقا لقوله تعالي : " وهذا كتاب أنزلناه مبارك " فالقرآن الكريم جعله الله تعالى بركة من خلال تدبره و السير علي تعاليمه في شؤون الحياة ، ولهذا قال نبينا الكريم صل الله عليه وآله وصحبه وسلم عن البيت الذي يتلى فيه القرآن تسكنه الملائكة تهجره الشياطين ويتسع بأهله ويكثر خيره"
ثاني مفاتيح البركة في الرزق والوقت والمكان يتمثل في البسملة وذكر الله: قال رسول الله صل الله عليه وسلم إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه لا مبيت ولا عشاء
ومن بين مفاتيح البركة كذلك الصدقة باعتبارها من أسباب البركة في البيت التصدق ؛ خاصة صدقة السر فإنها تطفئ غضب الله تبارك في القليل حتي يصبح كثيرا في جميع الأصعدة سواء رزقا او عملا او زمانا أومكانا
ولا يختلف الأمر فيما يتعلق بصلة الرحم فهو من مفاتيح البركة وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن صلة الرحم ، وحسن الخلق وحسن الجوار تزيد في الرزق وتطيل العمر
التبكير في طلب الرزق من مفاتيح البركة في الرزق حيث جاء في الحديثالحديث الشريف "بورك لأمتي في بكورها" ؛ أي الخروج لطلب الرزق باكرا.
اقرأ أيضا:
أدرك عمرك قبل فوات الأوان بهذه الطاعاتالأمر ذاته يتكرر مع اقامه الصلاة لوقتها باعتبارها من مفاتيح البركة ، حيث قال الله تعالى" وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى"أما سابع مفاتيح البركة فتتمثل في التوكل على الله حق توكله كما ورد في الحديث النبوي الشريف " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا"وتروح بطانا"
مواصلة الاستغفارتعد هي الأخر من مفاتيح البركة الثمانية حيث يجمع الفقهاء علي أن الاستغفار بحد ذاته مصدر للرزق ؛ كما قال نبينا صل الله عليه وسلم "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب