الجود ممدوح في كل وقت ومرغب في الإتيان به على الدوام لكنه في الأيام الفاضلة يكون أكثر تفضيلا لذا فالمتتبع لحال النبي صلى اله عليه وسلم وهو الكريم يجد يكنون اكثر جودا في رمضان.
من جانبه، يبين الداعية الإسلامي د. محمود عبد العزيز أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الجود من صفات المؤمن دائما لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حينما يأتيه جبريل فيدارسه القرآن فكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».
فها هو شهر رمضان، شهر الكَرم، شهر الصدقة، والله تعالى يأمرنا بالصدقة في القرآن فيقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:254]، وفي آية أخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة:267]، والله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن:16]، والله جل وعلا يقول ( وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍۢ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥ ۖ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِينَ) [سبأ:39].
آيات الإنفاق في القرآن:
ويضيف د. محمود عبد العزيز أن الله جل وعلا أمرنا بالإنفاق في سبيل الله، وأمرنا بالصدقة، والله تعالى وعد أهل الإيمان أن يضاعف لهم الأعمال، وأن يضاعف لهم الصدقات، قال تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:261]، وقال تعالى في شأن الصدقة: ﴿إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ [البقرة:271]، فإن أظهرت الصدقة للناس وأنت تنفق ونيتك أن تشجع الناس وأن تحث الناس على الصدقة، قال تعالى ﴿إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة:271]، والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أن صاحب الصدقة يوم القيامة يكون في ظل صدقته، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
الصدقة تنجي صاحبها من النار:
ويستطرد أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد خطب في الناس وقال: «يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار»، والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا فضائل الصدقات وأن هذه الصدقة ربما تداوي أمراض البدن، فهذا عبد الله بن المبارك رحمه الله وهو رجل من أئمة العلماء جاءه رجل ولديه قرحة عظيمة ولديه جرح كبير في ساقه فأمره عبد الله بن المبارك أن يحفر بئراً ليشرب منها الناس فذهب الرجل وحفر البئر وبفضل الله تبارك وتعالى أذهب الله جل وعلا عنه ما كان يجده، جفَّ الدم الذي كان ينزف منه ببركة هذا الماء.
فضائل الصدقة:
ويوضح ومن فضائل الصدقة أن الصدقة تطفئ الخطيئة، ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار».
والصدقة بفضل الله تعالى بمجرد أن تتصدق لا تعتقد أن هذه الصدقة تنقص المال ولكن هذه الصدقة بفضل الله تعالى تكون سبباً في البركة في هذا المال ، ففي الحديث: «ما نقص مال من صدقة»، ويا حبذا لو كانت الصدقة من صاحب علم.
ففي الحديث: «إنما الدنيا لأربعة نفر وذكر منهم: ورجل آتاه الله علماً ومالاً فسلطه على هلكته في الحق» ، سلط الله هذا الرجل العالم الغني على هلكة هذا المال وإنفاقه في الحق ، الله أكبر ، « ورجل قال: لو أن لي بمثل مال فلان لصنعت فيه كذا وكذا فهو ونيته في الأجر سواء».
وينصح أنه ينبغي أن تخلص النية لله تبارك وتعالى وأنت تتصدق، أخلص النية لله، قال تعالى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة:5].
ولا مانع أبداً أن تظهر الصدقة لتحث الناس عليها كما في حديث النبي عليه الصلاة و السلام: «من سَن في الإسلام سنة حسنة» أصل هذا الحديث وسبب وروده أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الناس جمع الصدقات كان في المسلمين مجاعة فجاء رجل بطعام كثير ووضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشجع الناس وأتى هذا بمال وأتى هذا بطعام وأتى هذا بثياب حتى اجتمع لدى النبي صلى الله عليه وسلم طعام كثير يوزعه على فقراء المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً» ، فإذاً الإخلاص لله تعالى.
ويجب أن تعتقد أن الله جل وعلا يخلف عليك، وفي الحديث «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً».
ووفي الحديث القدسي: «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك»، والصدقة من أصدق العلامات على صدق إيمان المتصدق، فمن ينفق ماله كان ذلك برهان إيمانه وصحة يقينه، وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والصدقة برهان)، والصدقة لا تنحصر في المال، أي إنها ليست مادية بحتة، حيث أن مجرد البدء بالسلام ورده يعدّ صدقة، وحسن الكلام واللفظ مع الناس كذلك يعدّ صدقة. "يا رسول الله ذهب أهل الدُّثور بالأجور يُصلُّون كما نُصلي ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس جعل الله لكم ما تَصَّدَّقُون؟ إن بكل تسبيحةٍ صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة وكل تحميدةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة وأمرٌ بالمعروفِ صدقة، ونهيٌ عن مُنكرٍ صدقة، وفي بُضعِ أحدكم صدقةٌ"، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوتَهُ ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزرٌ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان لهُ أجراً".
خصال الصدقة:
ويختم أن هناك عشر خصال محمودة للصدقة خمس في الدنيا: تطهير للمال والبدن من الذنوب ودفع البلاء والأمراض وإدخال السرور على المساكين وبركة المال وسعة الرزق. وأما التي في الآخرة فهي: تكون ظلاً لصاحبها في شدة الحر، وخفة الحساب، وتثقل الميزان، وجواز على الصراط، وزيادة الدرجات في الجنة، ومن الأسباب التي تفسد الصدقة، أن لا تكون خالصة لوجه الله كأن يخالطها رياء، واتباع الصدقة بالمن أو الأذى.