قال الله تعالى في سورة آل عمران: "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (106)".
بشر الله عز وجل المؤمنين بما يليق بهم يوم القيامة، وحذر من مصير أصحاب النار، فوصف المؤمنين بما يثلج صدورهم ويبيض وجوههم، وما ينتظر المؤمنين فيه من نعيم وافر، فبياض الوجه دليل على السعادة والفرحة، وعلى النقيض يدل سواد الوجه على ما يجده أصحاب النار من أهوال يوم القيامة، وينتظر الجاحدين المعاندين من عذاب مقيم بسبب كفرهم وجحودهم للحق.
بيض وجهك في رمضان
وشهر رمضان هو الفرصة الحقيقية للانطلاق نحو مصير السعداء، أو درك الأشقياء، وبياض الوجوه وسوادها في هذا المشهد الرهيب محمولان على الحقيقة، من الفرح والسرور للذين ابيضت وجوههم، كما أن سوادها المراد منه الحزن والغم.
فالحصول على تأشيرة الجنة، يبدأ من عمل الخير، وشهر رمضان هو فرصة الخير كاملة، وهو موسم الطاعات، وشهر الاستزادة من الطيبات، والالتجاء إلى الله لكي يغفر ذنوبنا، ويبدل سيئاتنا حسنات، لكي ننفوز بيومُ السعادة والبهجة، ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 106، 107].
ومن ثمرات الصيام أنه يقوي العزيمة ويصلح النفس، وتُغفر به الذنوب، وتزداد به الحسنات وتُرفع به الدرجات، ويُدخل صاحبه من باب الريان ويشفع لصاحبه، ويُصلح البدن ويُبرئ من السقم، ويقرب العبد من ربه إلى إن يصل إلى تقوى الله.
لذلك كان على الراغب في دخول الجَنَّة دفْع المهر المناسب: ((ألا مشمِّر للجنَّة؟))؛ حديث رواه ابن ماجه.
وقال الله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا... ﴾ [البقرة: 214].
فالطريق محفوف بالمخاطر يحتاج إلى زادٍ مِن التقوى، ورصيد من بَذْلِ الأموال والأوقات والجهد والأنفس؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111].
كما يحتاج إلى جهد الصائمين، الذين يَرْنُون إلى ﴿ مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55] .
اقرأ أيضا:
اتقوا اللعانين.. من هم؟ وكيف يمتد أذاهم للناس في الطرقات؟باب التوبة مفتوح
يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الراحل عن أصحاب الوجوه البيضاء يوم القيامة، بأن بين سبحانه حالهم وحسن عاقبتهم فقال: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ببركة إيمانهم وعملهم الصالح فَفِي رَحْمَة اللَّهِ أى ففي جنته.
وفي التعبير عن الجنة بالرحمة إشعار بأن دخولها إنما هو بمحض فضل الله تعالى فهو سبحانه المالك لكل شيء، والخالق لكل شيء.
وقوله هُمْ فِيها خالِدُونَ بيان لما خصهم الله تعالى من خلود في هذا النعيم الذي لا يحد بحد، ولا يرسم برسم، ولا تبلغ العقول مداه. أى هم في الرحمة باقون دائمون.
ووصف سبحانه وتعالى الذين ابيضت وجوههم بأنهم خالدون في رحمته، ولم يصف الذين اسودت وجوههم بالخلود في العذاب للتصريح في غير هذا الموضع بخلودهم في هذا العذاب وللإشعار بأن باب رحمته مفتوح أمام هؤلاء الضالين فعليهم أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يقلعوا عن الكفر إلى الإيمان والعمل الصالح حتى ينجوا من عذاب الله وسخطه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.