يتميز شهر رمضان في السودان بطقوس خاصة سواء قبله استعدادا لمجيئه، أو خلال الشهر الكريم حيث تنتشر أماكن الإفطار الجماعية واستعدادات الجمعيات الخيرية لإيصال الاحتياجات الرمضانية للفقراء والمساكين قبل وقت كاف، بجانب التهيئة النفسية والروحية للمجتمع، وكلها طقوس وعادات تعكس أصالة شعب السودان ومحافظته على تقاليده.
وتتجلى في شهر رمضان بالسودان الأخلاق والمشاعر الإنسانية الصادقة والكرم والجود والإحسان وإغاثة الملهوف وتفقد الناس وجمعهم والتقريب بينهم وإزالة الفوارق وتحقيق التعايش السلمي والسلام الاجتماعي، فبعد صلاة التراويح يجتمع الناس ويتسامرون ويناقشون قضاياهم، لذلك يترقب الناس مجيئه ويستعدون له، حيث تتغير عاداتهم وسلوكياتهم ويواظبون على إحياء تراث الأجداد.
وفي إطار الاستعداد للشهر الفضيل تحتشد الجهود الخيرية فيقوم ديوان الزكاة السوداني إلى جانب جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التكافلية بتكثيف الأنشطة الخيرية وإيصال الدعم لمستحقيه قبل دخول رمضان بوقت كافٍ، لإدخال البسمة في نفوس الفقراء والمساكين، كما تنشط لتنظيم حملات للتبرع في نهاية شهر رمضان، لتقديم فرحة الصائم وهي عبارة عن كسوة العيد ومتطلباته في صورة من المحبة.
وتختتم الاستعدادات القبلية بتجهيز أواني المطبخ، حيث تتغير وتظهر الأواني الخاصة في شهر رمضان، حيث تكون أكبر حجما لأنها تتعامل مع الإفطار الجماعي استعدادا لعدد أكبر من الضيوف وخاصة في الأرياف، وعندما يكون الإفطار خارج المنزل يحمل الطعام على (الصينية) ويغطى بما يعرف بـ(الطبق) والذي ينسج من السعف الملون في منظر جميل وجذاب، وفي المدن تغير الحال مع تطورات الحياة ويتبع ذلك في البيوت الكبيرة التي تسمى بـ(الحوش) نصب خيم كبيرة طوال الشهر تكون مكانا لإعداد الطعام وتقديمه واستقبال الناس، حيث يظل العمل الجماعي في رمضان سمة ملازمة للمجتمعات السودانية التي تتخذها فرصة للتعافي وإنهاء الخلافات وإبراز القيم وتقدير أهل الراي والحكمة، كما يكون منتدى لإبراز المواهب وتشجيعها خاصة في المجالات الدينية.
ويترقب الناس هلال شهر رمضان ويتبادلون التهاني قبل وقت قصير من حلوله، وبمجرد ثبوت الهلال تبدأ الجوامع في إرسال نداء بثبوت الشهر وإعلان مواقيت الصلاة وتتزين المساجد في أبهى حلتها وتضاء المآذن وأسوار المساجد استعدادا لصلاة التراويح ومن ثم صلاة التهجد، كما أن هناك من يتخذ المساجد نقطة للإفطار الجماعي وإحياؤها من خلال قدوم العلماء لتقديم الدروس الدينية والتلاوات الجماعية، فيكون رمضان موسما للتزاور بين العلماء لتقديم الدروس الدينية المختلفة وشحذ همم الطلاب بفضائل الشهر الكريم .
ويتميز المجتمع السوداني في شهر رمضان بتجهيز أكلات ومشروبات رمضانية خاصة أهمها مشروب الحلومر ولا يخلو منه منزل، بل يتم إرساله للسودانيين في شتى أنحاء المعمورة للاحتفاظ به، كونه منتجًا سودانيًا خالصًا.
وعن المائدة الرمضانية في السودان فتقول السيدة آيات الحاج إنها تختلف عن بقية العام بوجود أطعمة وأشربة ثابتة على مدار الشهر في كل مائدة افطار سودانية مع نكهة التنوع في الإعداد لكل منطقة حيث يكون الإيدام الثابت ويسمى في السودان( ملاح ) هو التقليه التي تتكون من اللحمة المفرومة أو المجففة ويضاف إليها الصلصة والبهارات والويكة الجافة المطحونة ويتم تناولها مرة مع العصيدة المصنوعة من الذرة أو القراصة المصنوعة من القمح وهي تحل محل الخبز الذي لا يكثر استعماله في رمضان وتعتبر التقلية أو النعيمية هي الأساس الذي ترتكز عليه المائدة الرمضانية بجانب إضافة أطعمة أخرى حسب كل منطقة ومن الثوابت أيضا البلح والكبكبيك والبليلية بأنواعها ومشروبات الحلومر والابري الأبيض والتبلدي والكركدية والعرديب وهنالك إضافات من الليمون وغيره من العصائر أما في السحور فيتم تناول الرقاق باللبن أو النشا أو المديدة المصنوعة من الدخن أو الذرة مع أكلات خفيفة في بعض الولايات، بحسب دريدة "الشرق" .
أما عن طريقة تحضير مشروب الحلومر تقول السيدة منال جمعة المتخصصة في عمل هذا المشروب إن طريقة تحضيره معقدة وتستغرق عدة أيام ويكون إعداده في شكل جماعي وتتخذ مناسبة لتقوية العلاقات الإنسانية، موضحة أن العجينة المكونة للمشروب تتكون من حبوب الذرة المخمرة تضاف إليها مجموعة من البهارات من بينها الزنجبيل والقرفة والغرنجال والحلبة والكركديه والكمون تطحن وتخلط مع مسحوق الذرة المخمرة بعد تجفيفها ويتم خلط الجميع مع إضافة الماء والتخمير مرة أخرى ثم تأتي عملية الإنتاج النهائية له من خلال معالجته على صاج ساخن وتسمى الطريقة ( العواسه) ليتحول الى رقائق ناشفة تسمى الواحدة الطرقه ويتم انتاج كميات كبيرة تعبأ في أكياس وتخزن انتظارا للشهر الكريم حيث يضاف إليها الماء والسكر وتترك لفترة ثم تصفى وتشرب ويمكن إضافة الثلج إليها .
ويأتي الابري الأبيض في المرتبة الثانية من مشروبات رمضان وتقول السيدة ثريا ادريس متخصصة في إنتاجه إنه يتكون من الذرة المقشوره والنشا والهيل وحبة البركة والزنجبيل وبهارات أخرى حسب المزاج والطلب، حيث يتم تخمير العجين وتتم معالجته في شكل رقائق خفيفة بيضاء تتم طريقة شربها ويساعد في الحد من الشعور بالعطش ، وتعتبره بعض الأسر نكهة أساسية لابد من وجودها في مشروبات رمضان خاصة في عدد من الولايات والأرياف واستعماله غالبا ما يكون محصورا على الفطور أو السحور لأنه يساعد على تحمل العطش إلى جانب مشروبات أخرى رائجة مثل التبلدي المأخوذ عن ثمار هذه الشجرة ، والكركديه والعرديب ( التمر هندي ) وغيرها ، لتفوح رائحة هذه المشروبات عند إعدادها وتعطر أرجاء الأمكنة فتذكر الناس بمقدم الشهر الكريم فتكون مدعاة لفعل الخيرات وتتم تجمعات تقوم بإرسال كميات منه للأسر الفقيرة والمتعففة في كل حي من خلال الجمعيات .
وحول الأنشطة الرمضانية يقول الباحث الدكتور عبد القادر سالم إن الحراك الفكري والثقافي والرياضي والاجتماعي، ينشط في شهر رمضان فتعمر المساجد بذكر الله والنوادي والتجمعات بإثراء الحراك الثقافي، مشيرا الى أن التراث الغنائي السوداني احتفظ بأغنيات رمضان استقبالا ووداعا وتذكيرا بفوائده وخيراته، وحث الناس على الطاعة واغتنام وقته لكسب الأجر وتقديم الخير للناس، موضحا أن المجتمع يكن في حالة نشاط دائم لتقوية أواصر المحبة بين الناس ونشر الفضيلة وتقديم صورة تعلم الأجيال حب الوطن، وأنه شهر للتقوي والعمل والانتاج وليس للكسل والخمول، ومن الأنشطة تجمعات الشباب وتذكير الناس بالسحور ( المسحراتي ) حيث يطوفون معه قرب وقت السحور بالأحياء وهم يضربون على الطبل لتذكير الناس بوقت السحور وأهميته وتقدم لهم الأسر السحور أثناء تجوالهم ويبقى النشاط نوعا من أنواع الأنشطة المجتمعية التي تعزز الترابط والتكاتف في المجتمع السوداني .
اقرأ أيضا:
ما هو الفرق بين البيت العتيق والبيت المعمور؟ ومكان كل منهما؟اقرأ أيضا:
التقويم الهجري القمري.. تقويم رباني معجز لا يخضع مساره لتغيير البشر