يسير المؤمن في هذا الكون ويتطلع للنجاة حيث يرى الله في كل شيء؛ فمن يعبد الله بصدق ييسر الله له أموره كلها ويوضع له القبول في الأرض حتى إن وقع في أزمة ما مادية أو معنوية أو ألمت به مصيبة فلتجأ إلى الله فرج الله عنه ما وقع فيه وصارت محنته منحة وضحك بعد البكاء. الدنيا بطولها وعرضها قصيرة ولا ينبغي لعاقل أن يضيع وقته فيما لا يفيده، وتقوى الله هي رأس كل خير وأصل كل فلاح فالعاقل إذا من يلتزم بمنهج الله وهنا يسخر الله له الكون بما فيه ومن فيه.
والمتأمل في السيرة يجد ادلة كثيرة على أن من صدق الله في عبادته وفي وقت رخائه صدقه الله في وقت الشدة؛ وقص أصحاب الغار خير دليل فقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم- عن قصة ثلاثة نفر تقطعت بهم الأسباب، وحل بهم الكرب والشدة، فلم يجدوا ملجأً إلَّا الله لينجيهم مما هم فيه، ويكشف كربهم .
قصة أصحاب الغار:
والقصة رواها البخاري و مسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ( بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر ،فمالوا إلى
غار في الجبل ،فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل ،فأطبقت عليهم ،فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة ،فادعوا الله بها لعله يفرجها ،فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ،ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم ،فإذا رحت عليهم فحلبت ،بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ،وإنه ناء بي الشجر ،فما أتيت حتى أمسيت ،فوجدتهما قد ناما ،فحلبت كما كنت أحلب ،فجئت بالحِلاب ،فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما ،وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ،والصبية يتضاغون عند قدمي ،فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ،فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ،فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ،ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء ،وقال الثاني : اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ،فطلبت إليها نفسها ،فأبت حتى آتيها بمائة دينار ،فسعيت حتى جمعت مائة دينار ،فلقيتها بها ،فلما قعدت بين رجليها قالت : يا عبد الله ،اتق الله ولا تفتح الخاتم ،فقمت عنها ،اللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك ،فافرج لنا منها ،ففرج لهم فرجة ،وقال الآخر : اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفَرَقِ أَرُزٍّ ،فلما قضى عمله قال : أعطني حقي ،فعرضت عليه حقه ،فتركه ورغب عنه ،فلم أزل أزرعه ،حتى جمعت منه بقرا وراعيها ،فجاءني فقال : اتق الله ولا تظلمني ،وأعطني حقي ،فقلت : اذهب إلى ذلك البقر وراعيها ،فقال : اتق الله ولا تهزأ بي ،فقلت : إني لا أهزأ بك ،فخذ ذلك البقر وراعيها ،فأخذه فانطلق بها ،فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ،فافرج ما بقي ،ففرج الله عنهم ).
كيف تحول المحنة لمنحة؟
إن من يتابع أحداث هذه القصة بطولها يستطيع أن يستنتج بكل سهولة كيف أن الله ينصر عباده ولا يخذلهم .. كيف أن الأعمال الصالحة تنجي صاحبها .. كيف أن الشدة تتحول لمنحة من الله وأن أحوال العباد بين يدي الله تعالى وهو وحده المتصرف فيها بحكمته.
فهذه القصة ترسم للمسلم طريق الخلاص والنجاة إذا اشتد به الكرب ونزل به البلاء ، وهو الالتجاء إلى الله جل وعلا ودعاؤه، فهو القادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وتبين لكل ذي عقل أن الخلاص لا يكون إلا في طريق الله وفق إرادته ومشيئته سبحانه وتعالى.
اقرأ أيضا:
لا تيأس من الشدائد وقسوتها.. هل سمعت بهذا؟ اقرأ أيضا:
أسباب تمنع محبة الله وتجلب كراهيته لبعض عباده