يمتلئ شهر رمضان بأعمال الخير التي لا تعد ولا تحصى، خلال رحلة البحث والسعي عن الأجر والثواب، والتغيير من حال إلى حال أفضل، والاستعداد لإحياء شعائر الشهر الكريم بما يليق به، وبما يعد نقطة انطلاقة قوية من أجل انتفاضة إنسانية تشعر معها بالتغيير والهدوء والاستقرار، من خلال تجديد الصلة بالله عز وجل.
وشهر رمضان هو شهر الصوم، وهو في حد ذاته طاعة لله في نفسه باعتباره امتثالاً لأمر الله من حيث مضاعفة أعمال الخير فيه، وهو طاعة لله كذلك من خلال أنه يحقق للإنسان وللمجتمع روح التقوى، فلا يحتاج المرء مع روح التقوى سلطة تفرض عليه النظام والالتزام، فقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على قدسية شهر رمضان قائلا: " خاب وخسر من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له".
فقد صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ ، فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك ، فقال : أتاني جبريلُ ، فقال : رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين
ولكي نصل إلى التقوى والاستقامة من خلال الامتثال لأوامر الله بالصوم، ينبغي أن نعلم أن الله تعالى يريد من الناس أن يقدموا بين أيديهم عند لقائه تعالى زادًا، وزاد التقوى بمعناه الشامل يعيشه الإنسان التقي في حياته كلها، فمن صام واستطاع أن يحصل على التقوى العملية في القلب والسلوك، فقد استطاع أن يحصل على عمق الصـوم.
اظهار أخبار متعلقة
ولكن كيف تحصل هذه التقوى والاستقامة من خلال عبادة الصوم؟
أولاً: علينا مراقبة الله في أفعالنا
فالسؤال الأهم من خلال تحصيل عبادة الصوم هو هل نتحرك في خط تصاعدي نحو الله، أم تتحرك في خط تنازلي نحو الشيطان؟.
فالصوم من فوائده أنه يعينك على دوام الطاعة والإيمان والاستقامة، فأن تستمر ثلاثين يوما على عبادات وأعمال صالحة متنوعة، يوطن نفسك ويثبت قلبك ويسدد جوارجك، لأن تكون هذه صفات راسخة وملكة دائمة بعد رمضان، تتجه بها إلى الله تعالى وليس في اتجاه الشيطان.
فشهر رمضان شهر استقامة وإيمان وثبات على دين الله، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة:158]، ففيه هداية وتسديد وإذعان، فيزيد الإيمان وتتنوع عبادات القلب والأركان، من التقوى والصبر والذكر والدعاء والصدقة وتلاوة القرآن، فهنا هداية مضاعفة؛ هداية القرآن وهداية شهر رمضان فتأمل.
فعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قال: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ» (صحيح مسلم).
ثانيًا نحدد أهدافنا من الصوم
الهدف الأسمى من عبادة هذا الشهر الكريم هو الفوز بالعتق من النيران، أن تُعتق رقابنا من النار، ولله في كل يوم وليلة عتقاء، وأن تكفر عنا السيئات، فمن دخل عليه هذا الشهر ثم مات ولم يغفر له أبعده الله! ، فللصائم باب الريان في الجنة.
وتحديد الهدف لا يتحقق إلا بالاستقامة على أوامر العزيز الرحمن، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ؛ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ؛ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}[فصلت:30-32].
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] قال: استقاموا على أداء فرائضه.
كان الحسن بن علي رضي اللهم عنهما إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.
وحقيقة الاستقامة السداد والهداية والتوفيق لما فيه مرضاة الله، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد، وقال عليه الصلاة والسلام: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا»(رواه مسلم).
وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه؛ (جامع العلوم والحكم).
وعن أبي سعيد الخدري: «إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ الِّلسانَ فتقول: اتَّقِ اللهَ فينا، فإنما نحن بك، فإن استقَمتَ استقَمْنا، وإن اعوَجَجْتَ اعْوجَجْنا».
أعمال تعينك على تحصيل الاستقامة:
1- استمرارية المحافظة على الصلاة في وقتها واحرص على أداء الصلاة في المسجد عندما تفتح المساجد بعد انتهاء وباء كورونا، ولو صليت ثلاثة فروض من الخمسة في المسجد فأنت ناجح في الامتحان .
2- الشكر والاستغفار أن وفقك الله لصيام رمضان وقيامه , وداوم على ذكر الله ولو خمس دقائق كل يوم : فإن الله عز وجل قال في آخر آية الصيام : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ) البقرة 185 , والشكر ليس باللسان وإنما بالقلب والأقوال والأعمال وعدم الإدبار بعد الإقبال .
3- الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته في الدنيا وإما أن تدخر له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك قالوا يا رسول الله إذا نكثر قال الله أكثر" .
4- قراءة القرآن : ابدأ ختمة جديدة للقرآن الكريم بعد رمضان حتى ولو قرأت كل يوم عشرة آيات فقط.
5- احرص على تدريب نفسك على المحافظ على أداء النوافل الراتبة قدر المستطاع وهي : ( ركعتان قبل صلاة الفجر, 4 ركعات قبل صلاة الظهر وركعتين بعدها , ركعتين بعد صلاة المغرب , وركعتين بعد صلاة العشاء ) , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة" .
6- تنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت : صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى ، ونوم على وتر .
7 - أداء صلاة الوتر : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ ، أَوْتِرُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْر)َ.
8- المحافظة على أداء صلاة الضحى ولو ركعتين كل يوم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) , صحيح رواه مسلم .
9- المداومة على أداء صلاة قيام الليل ولو ركعتين : قال رسول الله " : صلى الله عليه وسلم ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" متفق عليه .
10- الصحبة الصالحة : لابد أن يكون لك صاحب متدين وملتزم، فصحبة السوء وراء كل ضياع للإنسان. أخبرنى من هم أصحابك، أقل لك هل ستظل على إيمانك أم لا . فالأصدقاء ثلاثة أصناف: - أصدقاء متدينون طائعون لله - أصدقاء فجرة فسقة عصاة - أصدقاء غافلون عن ذكر الله. أمسك في الطائع المتدين بقوة وصاحبه.